الإثنين 2018/11/05

آخر تحديث: 13:26 (بيروت)

فرصة لمراجعة الصراع مع اسرائيل

الإثنين 2018/11/05
فرصة لمراجعة الصراع مع اسرائيل
increase حجم الخط decrease

كان هذا العام الأكثر إيلاماً على مؤيدي القضية الفلسطينية، من نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس، وتبني بعض العرب "صفقة القرن" الليكودية، وتعميق الإنقسام الفلسطيني، إلى التطبيع العلني لثلاث دول خليجية مع حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. مرت هذه الأحداث دون ردود أفعال تُذكر. لم تخرج الملايين ولا حتى الآلاف في الشوارع، ولم تنطلق انتفاضة جديدة، أو حتى تقع تفجيرات أو اعتداءات عفوية. وهذه وحدها انتكاسة كبرى للقضية، إذ فقدت القدرة على التأثير في شارعها القومي والديني.

أقل ما يُقال حيال هذا المشهد إن هذه الهزائم والإنتكاسات للقضية الفلسطينية تستوجب التفكير باستراتيجية جديدة في مكافحة الإحتلال، بعد اجراء مراجعة تأخر موعدها. ولا بد أن تتضمن أي استراتيجية جديدة تحالفاً أمتن وأوسع نطاقاً وعابراً للقومية والدين، يُركز على الحقوق الفلسطينية، بعيداً عن الأدلجة والانقسامات الإقليمية. كما تتطلب المرحلة الحالية أيضاً البحث عن حلفاء بين الإسرائيليين أنفسهم، تماماً كما فعل مقاومو نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا حيث جذبوا أقلية بيضاء مهمة إلى صفوفهم ساعدت في تحقيق النتيجة النهائية المرتجاة.

وهناك اليوم فرصة ذهبية لإعادة موضعة القضية الفلسطينية في ظل الانقسام الحالي في العالم، على خلفية صعود القوى الشعبوية المؤيدة لحكومة نتنياهو وتكريس الاحتلال الإسرائيلي. وسط الكتلة الأكثر أهمية لإسرائيل، أي اليهود الأميركيين، تتزايد الهوة بين من يخشى تصاعد معاداة السامية نتيجة شعبوية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبين اسرائيل المؤيدة للأخير. لم تعد عبارة "الفصل العنصري" محظورة (تابو) في الولايات المتحدة، وهناك هوية جيلية، بين الشباب الأكثر قابلية لمعارضة الاحتلال الإسرائيلي والربط بينه وبين الشعبوية الصاعدة مجدداً في الغرب، وبين كبار السن الأقل ميلاً لانتقاد اسرائيل. ترتبط القوى اليمينية الصاعدة في العالم بالاحتلال الاسرائيلي فكرياً وثقافياً، وترى ضرورة في تأييده. يحصل هذا في شرق أوروبا وأيضاً في البرازيل حيث وضع الرئيس العنصري المنتخب نقل سفارة بلاده إلى القدس ضمن أولوياته. علينا الربط بين الاحتلال وبين هذه القوى الشعبوية التحريضية.

في المقابل، تبرز موجة مقاومة لهذه الظاهرة عابرة للقوميات والأديان والأعراق، ومن الضروري جذبها لتأييد الحقوق الفلسطينية ومعارضة الاحتلال الاسرائيلي بصفته مُلهماً لهذه القوى الشعبوية ومرتبطاً بها بشكل عضوي.

ضمان تأييد هذه الكتل السكانية أساسي لمواجهة الاحتلال وفرض تسوية عادلة عليه. طبعاً، لا يدور الحديث هنا فقط حول القوى الفلسطينية المهيمنة على واقع الحال في الداخل، أي حركتي فتح وحماس، بل يشمل أيضاً مؤيدي القضية في الخارج ممن يقودون الحملات المناوئة للاحتلال مثل المقاطعة الاقتصادية ومقاومة التطبيع. وعلى هذه القوى أيضاً مراجعة أساليبها الطهرانية والمُنفّرة.

مثل هذا التحالف الواسع والضروري لن يقوم في ظل الملاحقات الغبية لمعارضي الاحتلال تحت ستار مقاومة التطبيع، كما حدث مع الأكاديمي جيف ماكماهان في الجامعة الأميركية في بيروت. ذاك أن أكاديمياً مثل ماكماهان ينشر الادانة تلو الأخرى للاستخدام الاسرائيلي المفرط للعنف، لن يزور بيروت ويُحاضر في جامعاتها أصلاً لو كان مؤيداً للإحتلال وسياساته. ومن الغرابة أن يُمثل هدفاً لمناوئي التطبيع بهذا الشكل، بدلاً من البناء على وجوده والاستفادة منه.

في ظل غياب أي عنصر قوة في أيدي مناصري القضية الفلسطينية، من الضروري أي تتسم أي استراتيجية ببعض الفطنة والحرص، وهما مفقودان منذ عقود. كما أن الفرصة الآن سانحة لإجراء مراجعة ضرورية لأساليب وشعارات قروسطية لم تجلب سوى المزيد من الويلات والهزائم للفلسطينيين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها