الإثنين 2018/11/05

آخر تحديث: 08:05 (بيروت)

إيران..قليل من التواضع

الإثنين 2018/11/05
إيران..قليل من التواضع
increase حجم الخط decrease

على الرغم من الرمزية التي اصر عليها الرئيس الامريكي دونالد ترامب في تحديد الرابع من نوفمبر كموعد لاطلاق الحزمة الثانية من العقوبات "الامريكية" ضد ايران، كان اللافت في ايران تراجع سعر صرف الدولار مقابل الريال الايراني بما يعادل 8 آلاف ريال للدولار الواحد. والذي ترافق مع صدور قرار عن الادارة الامريكية باعفاء 8 دول من الالتزام بالعقوبات النفطية، في مقدمة هذه الدول (الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا) التي تشتري نحو 70 بالمئة من النفط الايراني فيما يصدّر الباقي الى دول في الاتحاد الاوروبي سبق ان اعلنت عدم التزامها بالعقوبات، ما يعني ان ايران ستكون قادرة على تصدير حصتها الرسمية، وان تحصل على عائداتها اما بالعملات المحلية او العملة الاوروبية الموحدة او ما تحتاجه من بضائع ومعدات. واضافة الى ان القرار استثنى العقوبات على المواد الغذائية والادوية على ان تمول من عائدات بيع النفط الايراني. وهذه الاعفاءات ترافقت مع وعد باطلاق الاتحاد الاوروبي آلية للتعامل المالي مع ايران لا تمر بالخزانة الامريكية(SPV).

قبل تموز 2015، اي قبل التوصل الى الاتفاق النووي او خطة العمل المشترك، كانت العقوبات الامريكية والدولية على ايران اشد وطأة واكثر ايلاما، اذ وصلت مفاعيلها الى يوميات الشعب الايراني، وفقدت من الاسواق الكثير من الاشياء الاساسية حتى الدواء، وتراجع تصدير النقط الى ما يقارب 800 ألف برميل يوميا من دون ان تحصل ايران على عائداتها التي كانت تُحوّل الى حسابات خاصة في الدول المستوردة من دون السماح لايران بتحريكها او الاستفادة منها.

الاستراتيجية الايرانية في الرد على تصعيد الادارة الامريكية بالانسحاب من الاتفاق النووي، جاء بتأكيد التزام طهران بهذا الاتفاق طالما ان الدول الخمس الاخرى ملتزمة به وتساعد على التخفيف من تداعيات الموقف الامريكي السلبية.

المعطيات الاولية لتداعيات العقوبات الامريكية الجديدة تقول بان طهران قادرة بمساعدة الاليات الدولية غير الامريكية على تجاوز الانهيار السريع، خصوصا وانها حسب اعلان رئيس البنك المركزي استطاعت تأمين غطاء مالي بالدولار الامريكي يقدر بنحو 120 ملياراً يساعدها على استيعاب صدمة هذه العقوبات في المرحلة القادمة.

لكن السؤال الاساس الذي يطرح هنا، يتعلق بمدى فعالية هذه العقوبات في الوصول الى الهدف المنشود منها، ان كان العلني بدفع ايران للعودة الى طاولة مفاوضات جديدة تتمحور حول البرنامج الصاروخي الباليستي والدور الاقليمي لايران، او غير المعلن الذي يستهدف المجتمع الايراني ودفعه للخروج ضد النظام والانقلاب عليه وتغييره بما يتناسب ورؤية عودة ايران الى الحظيرة الامريكية وسياساتها.

في البعد الاول، قد يكون الرهان الايراني على اعتماد "استراتيجية الصبر"، بانتظار انتهاء ولاية الرئيس الامريكي بعد سنتين او على ابعد تقدير بعد ست سنوات في حال التجديد لترامب لولاية ثانية، وحصول تغيير في الادارة الامريكية والعودة الى مسار ما قبل هذه العقوبات واعادة احياء التزام واشنطن بالاتفاق. من دون اسقاط امكانية فتح قنوات تواصل مع ادارة ترامب للتفاهم على عدد من الملفات المشتركة في الاقليم، خاصة الملفات ذات التداخل بينهما، ولعل مؤشرات كثيرة تكشف ان هذا المسار قد بدأ منذ الاعلان عن الرزمة الاولى في شهر آب/ اغسطس الماضي وما جرى الحديث حوله عن لقاء جمع ممثلين عن الادارة الامريكية والخارجية الايرانية في العاصمة العمانية مسقط حينها، وليس اخرها الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى مسقط مؤخرا. ومن المتوقع ان تبدي ايران ليونة في هذه الملفات، والى حد ما في موضوع تطوير البرنامج الصاروخي من دون المساس في استراتيجيتها الدفاعية القائمة على بناء شبكة امان للنظام ولحدودها في ظل عدم قدرتها على بناء قوة جوية متطورة توفر لها هذا الهدف.

اما في البعد الثاني، وهو الاخطر، اي دفع المجتمع الايراني لتغيير النظام من الداخل، وهنا يبدو ان النظام الايراني قد اتخذ احتياطاته للتصدي لاي محاولات شعبية قد تحركها قوى ايرانية في الخارج، او تلك التي قد تخرج على خلفية تفاقم الازمة الاقتصادية والمعيشية، وقد قام النظام بتجارب حقيقية للتعامل مع مثل هذه الاحداث من خلال تصديه للتظاهرات التي خرجت في الاشهر الماضية وعمت اكثر من مئة مدينة على خلفية الازمة المالية والاقتصادية، اضافة الى انه استطاع التعامل مع ازمة انهيار سعر صرف العملة الايرانية بعد ان وصلت الى مستويات غير مسبوقة لامس سقف 18 الف تومان للدولار. وقد استطاعت الحكومة الايرانية توظيف هذا الانهيار في تأمين كميات من العملة الايرانية كبيرة وظفتها في سداد جزء كبير من ديونها الداخلية، قبل ان تسيطر على سوق الصرف وتضبط ايقاعه بما يتوافق مع رؤيتها الاقتصادية. وهي رؤية جاءت على حساب الطبقة الفقيرة واصابت الطبقة المتوسطة بانتكاسة كبيرة انحدرت بالجزء الاكبر منها نحو العجز والفقر.

التحدي الداخلي

واذا ما كان النظام الايراني قادرا - حسب اعتقاده – على مواجهة اي تحرك شعبي، فهل سيكون قادرا على ضبط القوى السياسية التي يعتمد عليها في تأمين استمراريته وبقائه؟ المؤشرات تكشف ان التحدي الاكبر الذي يواجهه النظام والحكومة في المرحلة المقبلة قد يكون في تبلور "جناح" داخل التيار المحافظ اكثر تشددا لا يتردد في اعلان عدائه للحكومة ويعمل على عرقلة عملها وافشال خططها الاقتصادية، ووصل به الامر الى تهديد رئيس الجمهورية حسن روحاني بالقتل.

ولم يعد خافيا ان هذا الجناح داخل التيار المحافظ لا يترك فرصة لاعلان معارضته للعملية السياسية القائمة على التعايش بين روحاني وما يمثله من تياري الاعتدال والاصلاح من جهة والتيار المحافظ التقليدي من جهة اخرى، وهو التعايش الذي بدأ يترسخ بتأييد من المؤسسة العسكرية (حرس الثورة)، على خلفية الفهم المشترك بين هذه الاطراف للمخاطر والتحديات التي يواجهها النظام في المرحلة المقبلة. وقد تبلور هذا التعايش من خلال توحيد جهود هذه الاطراف في التصدي واستيعاب موجة الاعتراضات التي شهدتها ايران والتي كانت مدعومة من هذا الجناح المحافظ المتشدد.

الرسالة الايرانية

طهران تؤكد انها من دعاة المنطق والحوار، وهو ما تقوم به مع الدول الاوروبية، خصوصا في الحوارات السياسية حول مواضيع مهمة واساسية ذات اهتمام مشترك، وتحديدا الازمات والمشاكل التي تعاني منها المنطقة من اجل الوصول الى السبل المناسبة لحلها. وتعتقد بان التغلب على هذه الازمات يمر عبر التنسيق الدولي المتناغم مع المصالح المشتركة للمجتمع الدولي وليس الاهداف الآنية لبعض الدول.

من هنا يأتي التزام ايران بالاتفاق النووي الذي هدفت فيه الى مخاطبة الدول الاوروبية التي اعلنت دعمها للاتفاق والتامت به، انطلاقا من رؤية ترفض الاحادية وتتبنى التعددية كحاجة سياسية ودولية، لان التعددية اكثر فعالية واقل خسائر، واوروبا في تبنيها التعددية القطبية قادرة على لعب دور مهم في مسار تعزيز هويتها ومصالحها وتعزيز السلام والاستقرار في العالم. وتبني ايران للتعددية يدفعها للتعاون مع جميع الدول الداعمة للسلام، والتعاون الايراني والاوروبي سيعود بالنفع على المصالح طويلة الامد للطرفين وتعزز السلام والاستقرار العالمي.

المواقف التي صدرت عن مرشد النظام آية الله علي خامنئي عن فشل الحرب الناعمة الامريكية ضد ايران وبالتالي انتصار ايران وافشالها للعقوبات الامريكية ضدها، قد يكون موضع ترديد في حال لم تنجح القيادة الايرانية في توحيد صفوفها الداخلية لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة، خاصة في السيطرة على الجناح المتوتر داخل التيار المحافظ الذي يعتبر نفسه "صاحب النظام والمدافع عن مفاهيم الثورة واستمرارها".

التيار الاصلاحي كان اكثر عقلانية في قراءة مآلات موجة العقوبات الجديدة والاهداف السياسية التي تتوخاها الادارة الامريكية، فأعلن بلسان الرئيس السابق محمد خاتمي بان هذا التيار لا يعتبر نفسه على تعارض مع اصل النظام، وان الاصلاح الذي ينشده هو اصلاح من داخل النظام، وهو ما يساعد على مواجهة التحديات التي تستهدف استقرار ايران واستمرار النظام.

في المقابل، فان الجناح المتشدد في التيار المحافظ يبدو انه غير قادر على الخروج من دائرة الشعور بفائض القوة، فهو مرة يستند على ما حققته ايران على الصعيد الاقليمي وهزيمته للمشروع الامريكي في سوريا والعراق واليمن، ومرة بالتفوق العسكري الذي حققته ايران على جيرانه في المنطقة، وتارة بقدرته على فرض ارادته على الرئيس روحاني وحكومته. متناسيا ما هو مطلوب منه بشكل اساسي، وهو القليل من التواضع في تضخيم الذات وادراك خطورة ما يقوم به وما تواجهه ايران في المرحلة المقبلة وان لا يكون هو الشرارة التي قد تطيح بالنظام، على الرغم من انه يلعب دور الذراع الامنية التي يلجأ اليها النظام في التصدي لأي حراك شعبي اعتراضا على تفاقم الازمة الاقتصادية او محاولة تغيير النظام من الخارج.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها