الأحد 2018/11/25

آخر تحديث: 10:48 (بيروت)

الفايسبوك: خربشات لبنانية

الأحد 2018/11/25
الفايسبوك: خربشات لبنانية
increase حجم الخط decrease

كما هي حال أكثر من  مليار ونصف مليار نسمة ينتمون الى أكبر تجمع بشري على الاطلاق، ما زال من الصعب ان يؤخذ فايسبوك على محمل الجد فقط، او أن يحسب فقط كمنصة للتواصل والترفيه والتسلية. هو يقود من جهة الى القتل او السجن او الغرامة ، وهو من جهة أخرى يقيم صداقات لا حصر لها ويقرب المسافات والصور بين الاهل والاصحاب ويبيح التعبير عما كان محرماً او محظوراً أو محرجاً.

في لبنان، حيث يقدر عدد المنتمين الى ذلك النادي الاجتماعي، بمليون ومائتي ألف مواطن ومواطنة، متقدماً على مستخدمي بقية وسائل التواصل والاعلام التقليدي، يضيع الهامش بين الجد والعبث، ويتحول الفايسبوك الى فاضح لعيوب كامنة في معشر"الفسابكة"اللبنانيين، الذين فرضت عليهم الفسبكة اليومية، إختياراً متقناً للغة والموقف والصورة.. من دون أن يوفقوا.

نادرة هي المجموعات او الصفحات التي يمكن ان تقدم صورة متقدمة عن الاجتماع اللبناني المعقد. ليست وظيفة الفايسبوك طبعا، ولعل العكس هو الصحيح. الانضمام الى ذلك النادي كان ولا يزال يشبه السير في تظاهرة عفوية، عشوائية ، تخلو من الشعارات الموحدة والمطالب المشتركة، او حتى من الصور والفيديوهات المتشابهة. يعرف الجميع كيف تبدأ ، لكن أحداً لا يعرف كيف تنتهي. البوح ليس إنجازاً ، طالما أن كل شيء مباح. البلد بلا أسرار، والغرف المغلقة بلا ستائر.

كان ولا يزال يمكن أن يشكل الفايسبوك منصة للتوليف والتوفيق والتحشيد، بما يؤدي الى الحد من عناصر الخلل البنيوية في الاجتماع اللبناني. حصل ويحصل العكس تماماً. وتحولت الصفحات كلها الى منصات للشكوى (والشتيمة) من أمور مثيرة للذهول: كيف يمكن لاصدقاء وزملاء وكتاب وأساتذة كبار ان يتورطوا في شتم البلد الذي ليس له وجود في الواقع، ولا يزال في مرحلة التكوين الاولى. كيف يمكن لهؤلاء ان ينخرطوا في لعبة السؤال الطفولي: أين هي الدولة؟ التي لم يكن لها أصل ولا أساس، وهي كانت وستبقى طموحاً، أو حلماً بعيد المنال؟

الجمهور يغوي بمثل هذه اللغة، لكنه حشدٌ إختار بكامل وعيه أن يكون البلد مسخرة، وأن تكون مؤسساته مهزلة، وأن تكون رموزه كلها، وليس فقط السياسية، فضيحة.. وأن يشهد الجميع على رئيس هرم يشتم الشعب لأنه يبالغ في الشكوى ويسرف في الانفاق، وعلى شعب يشتم الرئيس لأنه يدعي القوة والتغيير والاصلاح وهو منها براء.. أو أن يشهد الجميع أيضاً كيف يكال المديح الى رمز ، لكي يهان آخر، أو كيف تجري مطالبة الجلادين بتنفيذ أحكام الاعدام بأنفسهم.

الفسابكة اللبنانيون، وبإستثناء عن نفر قليل يستغل المنصة لتعميم الجمال او توسيع المزاح او تعميق المعرفة، هم في غالبيتهم أشبه ما يكون بجمهور وصل الى البلد للتو ، من دون ذاكرة ولا معلومات عامة. لا يعرف أحدهم أن في التاريخ القريب حرباً أهلية، لم تهدأ، وفتنة مذهبية، لن تخمد، وفكرة وطنية لم تعد في طور التشكيل، كما في فترات قصيرة مضت، بل هي اليوم في مسار إنحداري، لا يمكن وقفه إلا بمعجزة.

ليس دور الفايسبوك ان يؤسس لشيء جدي، ولا أن يكون جامعة بالمعنى المعرفي، ولا أن يضيء على الفضيحة الوطنية، السياسية والاجتماعية، التي لا يزال يمكن طمسها، او على الاقل حظر تداولها، طالما أنه ليس بالامكان محاكمة المتورطين فيها، وهم عموم اللبنانيين، الذين لا يكتفون من ذلك التجمع الانساني الفريد من نوعه، بما هو متقدمٌ أو مسلٍ أو ظريف، كما هو حاصل في بقية دول العالم.

الفسبكة تفترض لغة أصح، وصورة أجمل، وموقفاً أرقى.. فهي جهدٌ خلاق، يتضمن الكتابة والتصوير والاندماج في فتحٍ تكنولوجيٍ مبين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها