الجمعة 2018/11/16

آخر تحديث: 12:58 (بيروت)

روسيا في غزة ايضاً

الجمعة 2018/11/16
روسيا في غزة ايضاً
increase حجم الخط decrease

مثّلت العملية الإسرائيلية الخاطفة في قطاع غزة مفاجأة على أكثر من صعيد. هي مُفاجأة لأنها جاءت بعد ساعات فقط على تصريح لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتبر فيه أي عملية عسكرية في القطاع، "غير ضرورية". ذلك أن نتنياهو يريد حصد المزيد من فوائد علاقاته العربية، والتحسن الاقتصادي المتواصل في اسرائيل. لكنه، في الوقت ذاته، يدفع من رصيده السياسي بالداخل الاسرائيلي والأوساط اليمينية والشعبية في مفاوضات مع حركة "حماس" من أجل ضمان هدنة تُرسي الاستقرار المنشود جنوباً.

والهدنة الفلسطينية ضرورية أيضاً لأنها ستسبق وستُبرر على الأرجح عملية تطبيع واسعة النطاق بزيارات دولة على غرار الرحلة الرفيعة المستوى إلى عُمان الشهر الماضي. وكما جاء في مُقدمة الزيارة العُمانية، ستُمثّل الهدنة مع "حماس" والاستقرار على الصعيد الفلسطيني، أرضية لتبرير المصافحات التاريخية للقادة العرب مع نتنياهو في أكثر من عاصمة عربية خلال الأسابيع المقبلة. ستخدم هذه الزيارات الرمزية نتنياهو داخلياً بعدما تحدث لسنوات عن علاقاته السرية في العالم العربي وتطورها المضطرد، وهو إنجاز لم يحققه أي قائد اسرائيلي قبله.

لكن هذه المواجهة ونهايتها السريعة بهذا الشكل أحرجت أيضاً رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام حلفائه السياسيين على اليمين ممن يرفضون أي هدنة مع الحركة.

ولا يبدو أن رأس الهرم الإسرائيلي أُحيط علماً بهذه العملية، بحجة كونها استطلاعاً روتينياً يُنفذه الجيش الإسرائيلي دورياً في قطاع غزة. في ظل الانضباط الواضح في عمل المؤسسات الأمنية والعسكرية الاسرائيلية، وارتباطها بالسلطة السياسية المنتخبة، من الصعب الحديث عن وجود محاولة للالتفاف على مساعي رئيس الحكومة، من دون وجود دليل قاطع. لكن القول إن عملية اختراق غزة بسيارات مدنية، نشاط روتيني، كلام غير مقنع بالقدر ذاته.

صراع الأجنحة في اسرائيل فكك التحالف بين نتنياهو ووزير الدفاع المستقيل أفيغدور ليبرمان، وفتح الباب أمام احتمالات انتخابات جديدة تُعيد خلط الأوراق. واجراء انتخابات من عدمه يعتمد على قدرة نتنياهو على التفاوض مع لاعبين سياسيين آخرين على اليمين، والمناورة في فريقه السياسي.

كان الرد الحمساوي مفاجئاً أيضاً في ظل مساعي الهدنة، وربما مؤشراً الى الإنقسام بين أجنحتها الحركة حيال المفاوضات، وتجاه العلاقة مع مصر ومع إيران أيضاً، زاد نتيجة هذه العملية والرد الإسرائيلي عليها.

والمواجهة القصيرة في غزة يُمكن أن تُقرأ على أنها علامة مبكرة على النفوذ الروسي المستجد في المنطقة، ذلك أن موسكو دخلت في حسابات رئيس الوزراء الاسرائيلي عند اتخاذه القرار في تجنّب الحرب في قطاع غزة، كما جاء في تحليل لصحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، الجمعة. الحساب الروسي قد يغدو دائماً ويرتبط أيضاً بلبنان وحزب الله الذي تمثل مواجهات غزة تجربة أو امتحان لما سيأتي، كما حصل عام 2006 وقبلها.

صراعات الأجنحة تتبلور إيرانياً أيضاً مع الاعتداءات الفاشلة في أكثر من عاصمة أوروبية. لا تتفق هذه السياسة السرية مع محاولات الرئيس حسن روحاني احتواء العقوبات وتداعياتها عبر الأصدقاء المرحليين والموضوعيين في أوروبا  ثم في روسيا وآسيا.

الأجنحة في أكثر من نظام إقليمي تزيد الأوضاع تعقيداً، ويبقى أن ثابتاً وحيداً في منطقتنا ينمو ويجد لنفسه مكاناً وسط الفوضى: روسيا حيث الآمر واحد ولا أجنحة ولا من يحزنون.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها