الأحد 2018/11/11

آخر تحديث: 11:41 (بيروت)

نصر الله: القيامة الآن

الأحد 2018/11/11
نصر الله: القيامة الآن
increase حجم الخط decrease

عبارة "حتى قيام الساعة" التي إستخدمها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، تجد جذورها العميقة في النص الديني ، علما بأنها جزء من التراث الاسطوري، الممتد الى ما قبل التوحيد، والمنذر بنهاية الحياة البشرية على كوكب الارض، نتيجة غضب إلهي او طبيعي مفاجىء، يحل، حسب القرآن ك"لمحِ البصر".

العبارة قاسية، مخيفة، أستعان بها الاسلام لترغيب مريديه وترهيب مناوئيه. هي لا تخالف لغة نصر الله ولا ثقافته ولا تصوفه، لكنها لا تتناسب مع أهمية الموضوع الذي كان يتناوله، والذي لا يحتمل الكثير من الاستعارات الدينية.. ولا يخدم بأي حال من الاحوال النواب السنّة الستة، المراد توزيرهم بهذه الصفة المذهبية التي لا تختزل هويتهم ولا إنتماءهم، كونهم من خارج منظومة العصبية السنية.

وعليه، فإنه لا يمكن لنصر الله ان يستثمر هذا الوعيد. هو، على الارجح، يدرك أن هؤلاء النواب السنة ليسوا حجة قوية لتبديد رياح الفتنة المذهبية، او للزعم أن قواعدهم الشعبية، أو كتلهم الانتخابية ( وهي في غالبيتها غير سنّية) يمكن ان تصمد طويلا عندما يأتي يوم القيامة او عندما يحل موعد الفرز بين أهل السنة والجماعة وبين أتباع آل البيت. وهو موعد يقترب، كلما أطل رجل دين من أحد المذهبين.

ليس الامر سوى ذريعة، لم تكن تستدعي تلك اللغة، لو لم يكن الأمر جدياً جداً من وجهة نظر نصر الله. وهنا يحال الخطاب الى السياسة بوصفها تعبيراً عن موازين قوى فعلية، وعن وقائع حسية لا شأن لها باي تدبير إلهي. لم يوارب الامين العام، ولا حزبه من قبل، أنه ليس في عجلة من أمره لتشكيل حكومة جديدة. وكانت هناك مؤشرات عديدة للاجتهاد أنه ليس من مصلحة الحزب الآن قيام الحكومة. الآن قضي الامر.

ورقة الضغط هي إذاً التالية: الجميع، في الداخل والخارج، يريد الحكومة ويلح على تشكيلها، ويرى أن لبنان وأمنه وإستقراره وإقتصاده وعملته يمكن ان ينهار إذا لم تشكل في أسرع وقت..لكن الحزب يعتبر أنها مجرد حرب نفسية، تحاول تحصيل الحد الاقصى من الوزارات والاصوات داخل الحكومة المقبلة، وبالتالي يدفع في إتجاه الفراغ ، لأشهر او لسنوات او حتى قيام الساعة.. وهي آتية لا ريب فيها، لكن علمها عند الله وحده.

وعدا عن أن النواب الستة لا يستحقون مثل هذا التهديد، لا في المذهب ولا في السياسة طبعا، يصبح الفراغ المطلوب من الحزب، وعاء فارغاً أيضاً. جدلية الحاجة الملحة الى حكومة ليست دقيقة بالمرة. البلد يمكن أن يعيش، وينمو، من دون حكومة، كما هو دأبه منذ الاستقلال حتى اليوم، حيث كانت فترات الفراغ الحكومي أطول من فترات "الامتلاء" الحكومي. وهذا ثابت ومثبت. أما كيف كان يجري سد هذا الفراغ أو إستثماره، فتلك قضية أخرى، بل هي القضية التي لا تسر أحداً من اللبنانيين، وتدفعهم الى إسقاطها من ذاكرتهم الجمعية.

بداهة القول ان الحزب بطلبه الفراغ يستجيب لرغبة إيرانية، حافزها التأثير على الاميركيين والاوروبيين، لا سيما في ضوء فتح قنوات الاتصال الاميركية الايرانية في العاصمة العمانية مسقط، هذه الايام بالذات، تحتاج الى أكثر من سند، طالما أن العواصم الكبرى في العالم لن تشعر بقلق خاص إذا مضى "تصريف الاعمال" اللبنانية الى ما لا نهاية، طالما أن الامن مستقر والحدود هادئة والمرافىء الجوية والبحرية مضبوطة.

الصواريخ هي القضية. نصر الله، يلاحظ على الارجح أنها موضوعة على الطاولة الآن. وهو يظن أن المفاوضة ستصل عاجلاً أو آجلاً الى  داخل الحكومة، التي لا بد ان تكون محصنة بوزير سني صاروخي.. لكن يغيب عن بال الامين العام ان السير على حافة الحرب لن يدوم حتى قيام الساعة، إذا أقفلت القناة العمانية. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها