الثلاثاء 2018/10/09

آخر تحديث: 10:44 (بيروت)

ترامب الاستوائي.. يركب الموجة؟

الثلاثاء 2018/10/09
ترامب الاستوائي.. يركب الموجة؟
توصيف "الموجة اليمينية" ليس تفسيراً، فانتخابات البرازيل تكشف هشاشة الديموقراطية وتاريخها بوصفه استثناءنا (غيتي)
increase حجم الخط decrease
انتهت الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية البرازيلية، أمس الأول، بتصدر مرشح أقصى اليمين، جائير بولسونارو، قائمة المتنافسين، بنسبة 46% من الأصوات. وتأتي نتائج "ترامب الاستوائي" بفارق واسع عن أقرب منافسيه، مرشح حزب العمال، فرناندو حداد، الذي حصل على اقل من 30% من أصوات الناخبين. وأثارت النتائج التي ترجح فوز بولسونارو بالجولة الثانية، الصدمة، واستدعت الكثير من القلق، ليس في ما يخص السياسية البرازيلية فقط، بل في ما يتعلق بشكل أوسع بموجة "التراجع الديموقراطي" عالمياً.


فالضابط السابق في الجيش، صاحب التصريحات العدائية تجاه النساء والأقليات والسكان الأصليين، والمنتمي إلى حزب هامشي، لم يأت فقط من خارج المؤسسة السياسية البرازيلية، بل قام أكثر من مرة بكيل المديح للديكتاتورية العسكرية التي حكمت البرازيل بين العامين 1964-1985 على حساب الديموقراطية التي لا يراها صالحة للتعامل مع أزمات بلاده. والبرازيل، حتى الأسبوع الماضي، كانت تعد الديموقراطية الأكبر في أميركا اللاتينية، ورابع أكبر ديموقراطية على مستوى العالم من حيث عدد السكان، ويبدو نكوصها إلى حكم سلطوي، تأكيداً آخر على صعود الخطاب اليميني الشعبوي وهيمنته، لا سيما في بلد كان يُنظَر إلى تجربته السياسية، حتى وقت قريب، بوصفها معجزة اليسار العالمثالثي.

ويبدو ربط بولسونارو بترامب، مفهوماً إلى حد كبير. فالأجندة اليمينية المعادية لحقوق المهمشين، والنكهة القومية لخطاب الرجُلين اللذين يعتمدان على شبكات التواصل الاجتماعي لاجتذاب المؤيدين، كافية لافتراض هذا الرابط بينهما. إلا أن احالة نتائج الجولة الأولى من انتخابات البرازيل إلى موجة عالمية، تبدو اختزالاً تميل إليه الوصفات الإعلامية الجاهزة والسريعة، مخلوطة بمركزية أميركية، ترى في سياسات الولايات المتحدة معياراً للعالم، ونموذج المقارنة الأوحد.

فالانتخابات البرازيلية الحالية، تجرى على خلفية أربع سنوات من الأزمة الاقتصادية، فُقِد خلالها أكثر من ثلاثة ملايين وظيفة في القطاعات المختلفة. وتزامن التراجع الاقتصادي مع ارتفاع في مستويات العنف في البلاد، لتصل معدلات جرائم القتل إلى نسب غير مسبوقة، بأكثر من 70 ألف قتيل العام الماضي. ولا يدلل على تردّي الشعور بالأمن لدى لقطاع واسع من البرازيليين، أكثر من انتشار تطبيقات لتفادي حوادث إطلاق النار، مثل تلك التي تستخدم لتحاشي نقاط الاختناق المروري. وفي استطلاع للرأي، سبق الانتخابات الجارية بأسابيع، أعرب 60 في المئة من المشاركين عن فقدانهم الثقة في كافة الأحزاب في الساحة السياسية. فالسنوات الأربع الماضية شهدت افتضاح سلسلة من قضايا الفساد الضخمة، والتي تورط فيها مئات السياسيين، ومن ضمنهم الرئيس السابق لولا دا سيلفا.

ويأتي بولسونارو، الذي لا يحمل في تاريخه أي شبهات فساد مالي، بوعود بإقرار الأمن، وتدعيم قدرات الشرطة على إطلاق النار، ومنح الجيش سلطات للتدخل في مهام مدنية لحفظ الأمن، هذا غير تخفيف القيود على ملكية الأسلحة النارية للمواطنين. وفي سياق حالة الركود الاقتصادي المستفحلة ونسب البطالة العالية، فإن أجندة بولسونارو النيوليبرالية الداعية إلى تحرير السوق وخصخصة الشركات، تبدو لكثيرين الأمل الوحيد، بعدما فقدوا إيمانهم بالتوجهات اليسارية لحزب العمال الذي هيمن على السياسية البرازيلية لحوالى عقد ونيف. في الوقت نفسه، فإن الكنائس البروتستانتية، التي تزايد منتسبوها خلال العقدين الماضيين من نسبة 5 في المئة إلى حوالى 25 في المئة من السكان (فيما الغالبية كاثوليكية)، فكانت قد حولت دعمها مؤخراً، بعيداً من حزب العمال، لصالح بولسونارو وخطابه المحافظ المدافع عن "قيم الأسرة" والمعادي للإجهاض.

لكن الأهم من تلك العوامل، والتي تصب كلها في صالح مرشح من خارج المؤسسة، فإن البرازيل كغيرها من دول القارة اللاتينية، لديها تاريخ قصير مع الديموقراطية لا يُعدّ فيه الانتقال السلمي للسلطة، سوى استثناء في سلسلة طويلة من الديكتاتوريات والانقلابات العسكرية. فوعود بولسونارو ترتكز على إحالة لتاريخ استبدادي طويل لبلاده، وعلى حنين إلي ماضي الحكم العسكري القريب، والذي استمر حتى منتصف الثمانينات. وليس الخوف وحده الذي يغذى تلك الوعود، ولا فقط الرغبة في الأمن بأي ثمن، بل عدم حسم العلاقة بالماضي، فأي من جرائم النظام العسكري السابق لم يُحاسَب عليها أحد.

فالإحالة إلى التراجع الديموقراطي في العالم، والمقارنة بترامب، تفسد أي محاولة لفهم ما يحدث في البرازيل نفسها، أو غيرها من الديموقراطيات الناشئة، وتعيق فهم تواريخها الخاصة وواقعها المحلي وعلاقتها بالنظام العالمي. بلا شك، هناك صعود متوالٍ لخطاب أقصى اليمين، حول العالم، لكن توصيف "الموجة" ليس تفسيراً في حد ذاته. فانتخابات البرازيل، بشكل أوضح، تكشف هشاشة الديموقراطية وعمرها القصير، وتاريخها بوصفه استثناءنا، وتلقي بجزء من اللوم على المؤسسات المنتخبة، وبالأخص أحزاب اليسار، التي خانت ثقة ناخبيها وخذلتهم، تاركه فكرة الديموقراطية نفسها على المحك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها