الثلاثاء 2018/10/30

آخر تحديث: 11:19 (بيروت)

قمة إسطنبول: مجرد جسر

الثلاثاء 2018/10/30
قمة إسطنبول: مجرد جسر
Getty ©
increase حجم الخط decrease
كانت الصورة التي رسمت من قبل قادة تركيا وألمانيا وفرنسا وروسيا في حديقة "الكيوسك" التي كانت في يوم من الأيام تعود إلى آخر سلطان عثماني فهد الدين، تقول الكثير.
في تلك الحديقة، على الأرجح كما فعل السلطان فهد الدين في إحدى المرات؛ سأل أردوغان وبوتين وميركل وماكرون أنفسهم: ما الخطأ الذي حدث وما الذي يمكن عمله لإصلاحه عندما يتعلق الأمر بسوريا؟.
ربما فكرت ميركل وماكرون في الثمن الذي كان عليهما دفعه مقابل عدم امتلاكهما الشجاعة الكافية لاتخاذ خيارات صعبة في بداية النزاع. الخوف من تطرف الثورة، الذي دفعهم إلى عدم إجبار الأسد على الخروج، الأمر الذي ساهم في التطرف على أية حال، كلفهم الكثير. هذا الأمر لم يخلق فقط مشكلة لجوء كبيرة لأوروبا، بل مشكلة عدم استقرار هائل في المنطقة حيث لم يعد توازن القوى كما كان في السابق؛ عليهم الآن مواجهة روسيا أقوى وإيران أكثر نفوذاً.
في تلك الحديقة على الأرجح، اعتقدوا أيضاً أن ترك المسألة فقط للولايات المتحدة لم يكن قراراً حكيماً أيضاً؛ في نهاية المطاف، لديهم ولايات متحدة يحكمها ترامب الذي لا يهتم بالمخاوف الأمنية في أوروبا وهو مهووس بإيران. إن نظرته العمياء إلى سلوك السعوديين الذي يخلق حالة عدم استقرار، بما في ذلك ارتكاب جريمة قتل في القنصلية في إسطنبول، هو على الأرجح الهبوط الآخير، خاصة بالنسبة لميركل. ربما لهذا السبب فضلت حضور قمة اسطنبول علماً أنها لم تكن راغبة في ذلك عندما وضعت تركيا فكرة عقد هذا الاجتماع على أجندة صيف هذا العام.
على الأرجح كان لدى ماكرون أفكار مشابهة لميركل على الرغم من أنه أجرى محادثة طويلة مع ترامب قبل مجيئه إلى اسطنبول، ولا يزال يأمل أن تلعب الولايات المتحدة دوراً إيجابياً في سوريا. كذلك كان يتصرف كظل للإدارة الأميركية في قمة اسطنبول، لكن يبدو أن كلا من ميركل وماكرون يدرك أن الوقت قد حان لإظهار بعض التضامن مع تركيا على الرغم من الفزع الذي يشعر به زعيمها.
أنقرة التي تشعر بالسعادة لانعقاد القمة في اسطنبول، اكتسبت نفوذاً ضد روسيا لكنها لم تحصل على ما تريده تماماً. البيان الختامي للقمة لا يتحدث عن وحدات حماية الشعب الكردية وهي "منظمة إرهابية" بالنسبة لأنقرة ولكنها مدعومة من قبل الولايات المتحدة وفرنسا. تعتقد أنقرة أن تسليح وحدات حماية الشعب من قبل الولايات المتحدة يشكل تهديداً وجودياً لها، لكن مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بمستقبل سوريا، فإن تركيا تصبح أكثر قرباً مع أوروبا، هي مثلهم في ذلك تريد سوريا ديموقراطية ومستقرة وأقل إيرانيةً.
الروس مستعدون للتعاون مع أوروبا أكثر مما اعتادوا عليه. إن السعي إلى العودة كقوة عالمية وتحقيق هذا الهدف تقريباً، ومواصلة التعاون مع إيران، قد يعرض هذا الموقع الذي اكتسبته موسكو بصعوبة إلى خطر محيق. كذلك تدرك موسكو حقيقة أن الأموال الأوروبية ضرورية لإعادة إعمار سوريا، وأن الحل السياسي في دمشق هو الشرط المسبق لأوروبا لفتح خزائنها في سوريا.
هذه التحولات الذهنية لم تكن السبب الوحيد لقمة اسطنبول. وقد ثبت أنه عندما يتعلق الأمر بسوريا، فإن الاجتماعات مع عدد محدود من المشاركين، تهدف إلى إيجاد حلول عملية وجزئية، تحقق نتائج. إذا أجرينا مقارنة بين عملية جنيف وبين مسار أستانة يظهر هذا الواقع بشكل أوضح.
وعلى الرغم من هذه التحولات الذهنية، ليس من الواضح ما إذا كانت هذه القمة الرباعية يمكن أن تتحول إلى آلية دائمة. يعتمد ذلك على تنفيذ قرارات قمة إسطنبول. إذا كان من الممكن أن تكون هناك لجنة دستورية حتى نهاية هذا العام، وإذا كان هناك مؤتمر دولي ناجح بشأن اللاجئين مثلما تصورت قمة اسطنبول، فسيكون من الممكن القول إنه مع نجاحها، توجد آلية رباعية يمكنها أن تكمل.
عندها فقط يمكن أن يجري الربط بين مسار أستانة وعملية جنيف عبر جسر مشابه لجسر البوسفور الذي شوهد وراء القادة عندما كانوا يظهرون في "كيوسك" فهد الدين. إذا لم يكن الأمر كذلك، فسيكون لدى الزعماء المزيد من الوقت للتفكير في الخطأ الذي حصل، ولكن ربما على طريقة السلطان فهد الدين عندما لم يترك أي سلطة لتغيير المستقبل المدمر الذي يقترب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها