الإثنين 2018/10/29

آخر تحديث: 12:30 (بيروت)

مقتَلة الكنيس ومليشيات أميركا

الإثنين 2018/10/29
مقتَلة الكنيس ومليشيات أميركا
تجمّع متعدد الديانات في لوس أنجليس لإدانة الهجوم على كنيس "شجرة الحياة" (غيتي)
increase حجم الخط decrease
الأرجح أن الهجوم الإرهابي على كنيس "شجرة الحياة" في بيتسبرغ بولاية بنسيلفانيا، يملك أبعاداً متنوّعة، أبرزها أنه ظاهرة عنف مسلّح أيديولوجي تتفجر في ظل صعود مقلق لتيار الشعبويّة الذي أوصل الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة.

سارع ترامب إلى إدانة الاعتداء، لكن الأرجح أنه لا يسهل عليه التخلص كليّاً من ظلاله وعلاقته مع آرائه. ربما ذهب الأمر أبعد من وصف الرئيس الديموقراطي السابق، باراك أوباما، لرياء التنصّل الترامبي من العنف الداخلي الأميركي بقوله "لقد دَأَب على نشر حال الاستعداء المتبادل (بين الأميركيّين)، ثم أخذ يتباكى على ضياع التمدّن"! جاءت كلمات أوباما في لحظة خاطفة بين موجة طرود مفخخة، وُجّهت إلى رموز في الحزب الديموقراطي وجمهوريين غير متحمسين لترامب، وبين الهجوم على كنيس بيتسبرغ. ومن يتابع الاعلام الأميركي، لا يصعب عليه ملاحظة تساوق تلك الحوادث مع ارتفاع غير مسبوق للتوتر السياسي الداخلي الأميركي، الذي تصاعد خصوصاً بعد وصول ترامب للرئاسة إلى حدّ أن محلّلين في "سي إن إن" المشهورة بمعارضتها لترامب، يكرّرون أن التدخل الروسي إنما هدف إلى شق الوحدة الوطنيّة الأميركيّة، وهو ما ذهب إليه الجنرال جايمس كلابر، المدير السابق لـ"الاستخبارات القوميّة". واستهدف أحد الطرود المفخخة كلابر، وكذلك استُهدِفَ جون برينان، المدير السابق لـ"سي آي إيه" الذي سبق أوباما في الإشارة الى إزدواجيّة خطاب ترامب. إذ قال برينان معلّقاً على استهدافه بطرد مفخخ: "يجب أن تكف (ترامب) عن لوم الآخرين... أنظر إلى نفسك وخُطَبَك الناريّة وإهاناتك وأكاذيبك وتحريضك على العنف".

هناك أمر آخر يصعب على ترامب التملص من المسؤولية عنه، وهو تصريحه الشهير قبل أسابيع بأن فوز الديموقراطيين في انتخابات الكونغرس النصفيّة سيؤدي الى العنف! ولعل تلك الكلمات هي من ضمن ما استدعى الرد بكلمات قويّة في تصريح أوباما الوارد آنفاً.

حتى مكان حدوث الهجوم يؤشّر إلى مسؤوليّة الشعبويّة الأميركية المساندة لترامب: إنها ولاية بنسيلفانيا التي صوّتت لصالح ترامب بنسبة 68%، وكانت مرّة أولى -منذ مدّة- تصوّت فيها تلك الولاية لمرشح غير ديموقراطي. وفي مطلع آذار/مارس من السنة الجاريّة، شهدت الولاية نفسها ظهوراً مسلّحاً داخل كنيسة في بلدة "نيوفاوند لاند" تتبع مذهب "كنيسة التوحيد" (Unitary Church) والتي تعتبر من المذاهب الإنجيليّة التي أيّدت ترامب، وتندرج سياسياً ضمن تيارات اليمين المتطرّف، وتعادي المثليين وتدافع عن "الحق في حمل السلاح"، وهي أمور أساسيّة لدى اليمين المتطرّف ومليشيات الولايات المتحدة. في تلك المناسبة، حمل مؤيّدون للأميركي هيونغ جين مون (وهو النجل الأصغر لمؤسّس "كنيسة التوحيد") بنادق من نوع "إيه آر- 15".

ومن الظلال التي استحضرها هجوم روبرت باورز على كنيس "شجرة الحياة"، العداء الشديد لليهود في أميركا. استباقاً، هناك مليشيا أميركيّة معادية للساميّة بشراسة، وهي من التيارات الدينية الإنجيليّة لكنها تعتقد أن المقصود بشعب الله المختار هم الأميركيون وليس اليهود!

ثمة رابط آخر للشعبوية مع معاداة السامية. وطري في الذاكرة أن تنظيم "تفوّق العرق الأبيض" (White Supremacy) احتفل بانتصار ترامب في انتخابات الرئاسة، في تجمع أدّت حشود فيه التحية النازيّة، وهو مشهور بكراهية اليهود، إضافة الى المثليين والديموقراطيين ودعاة الحد من انتشار السلاح. وفي آب/اغسطس الفائت، تظاهر مئات من أنصار "التفوق الأبيض" تأييداً لترامب في واشنطن، عقب حادث "شارلوتسفيل" حيث اجتاح أحد النازيين الجدد تجمعاً لمناهضي العنصرية، ما أدى الى مقتل الشابة هيذر هايدر، وأثار موجة سخط ضد اليمين المتطرف.

في سياق تلك الصور وغيرها، يصعب التغاضي عن حضور مليشيات الولايات المتحدة في مقتلة كنيس "بيتسبرغ". وقبل رسم بعض الملامح لتلك الميليشيات، يجدر التذكير بأن فكرة وجود مؤامرة دوليّة ضد الولايات المتحدة، تقودها الحكومة المركزيّة برموز من حزبيها، هي عميقة الانغراس في أفكار تلك المليشيات. ليس عبثاً تصاعد التوتر والعنف في ظل رئاسة حملها تيار شعبوي يَروج فيه العداء لمؤسّسة السياسيّة الأميركيّة كلها، بل جاء ترامب من خارج أطر الحزب الجمهوري وفرض نفسه مرشحاً عنه، نظراً لقوة تيارات اليمين واليمين المتطرف (وهي قريبة من الشعبوية) في ذلك الحزب. والأرجح أن فكرة "المؤامرة" في أميركا تحتاج نقاشاً منفصلاً، خصوصاً أن تظاهرات شعبوية تكررت في الصيف الفائت، رفعت شعارات يفترض أنها تستند إلى معلومات يسرّبها شخص مجهول يعمل في أجهزة الدولة العميقة.. (كان هاشتاغ #QAnon من ميزات تلك التظاهرات، وهو متصل بنظرية "المؤامرة)، وتثبت وجود مؤامرة عالميّة تنفذها المؤسسة السياسيّة الأميركية المستقرة في واشنطن!

الأرجح أنه يفيد عرض بعض المصطلحات المتداولة بين تلك الميليشيات، وكذلك التيارات الشعبويّة، خصوصاً في وصف المؤسّسات التي ترى فيها "أعداء" لأميركا.

قاموس مليشيات أميركا:

1- مجلس الأمن: تعتبره المليشيات "حصان طروادة"، أو حكومة "العالم الواحد" المفترض أنها سريّة وذات ميول "اشتراكيّة" (بمعنى تعزيز الدور المركزي للدولة ومؤسّساتها، وتبنّي أنواع من الضمان الاجتماعي، وفرض ضرائب مرتفعة على الأثرياء) وتسعى للسيطرة على الولايات المتحدة.

2- "مكتب الكحول والتبغ والأسلحة". تدينه المليشيات بوصفه أداة قمعية ضد الحق الدستوري في حمل السلاح، وكذلك تقييد الحريات الفردية، عبر تشريعاته ضد التدخين والكحول مثلاً.

3- "لجنة العلاقات الثلاثيّة" Trilateral Commission. "البعبع" الدائم الذي يشهّر به الصحافي جون بيرش، وكذلك الداعية الإنجيلي الراحل بات روبرتسون. وتعتبر المليشيات "لجنة العلاقات الثلاثيّة" محفلاً للاتصال بين قادة رجال الأعمال والسياسيين البارزين. ويذكر أن اللجنة تأسّست في العام 1973 على يد المصرفي الأميركي المعروف ديفيد روكفلر. ومن أبرز رموز اللجنة من الحزب الجمهوري، هنري كيسينجر وجورج بوش (الأب)، ومن الحزب الديموقراطي الرئيسان السابقان جيمي كارتر وبيل كلينتون.

4- "الوكالة الفيدراليّة لإدارة الأزمات". أنشئت في عهد الرئيس السابق جيمي كارتر، للتعامل مع الأوضاع الناجمة عن الكوارث الطبيعيّة كالفيضانات والأعاصير والزلازل وغيرها. ووصفتها إحدى نشرات "الوطنيّين" المتداولة في الانترنت بأنها "أقوى تنظيم في الولايات المتحدة". وينظر إليها كأداة في يد "لجنة العلاقات الثلاثيّة" مهمتها التحضير للامساك بالسلطة في الولايات المتحدة بعد "فرض حال الطوارئ".

5- "الأمم المتحدة". لا تكره مليشيات أميركا شيئا أكثر من الأمم المتحدة، وهو أمر يشاركها فيه الرئيس دونالد ترامب بوضوح وعلانية، بل تكاد تعتبرها العدو الرئيسي. وتتهمها أيضاً بالتواطؤ مع "حكومة العالم الواحد". وتنتظر اللحظة المناسبة للانتقال من نيويورك الى البيت الأبيض، وفرض سيطرة العالم على الولايات المتحدة.

إذاً، من هي تلك المليشيات؟ قبل الإجابة، ربما يحضر في بال كثيرين التفجير في أوكلاهوما (1995) الذي نفّذه عنصر المارينز السابق تيموثي ماكفاي، في الذكرى الثانيّة لحادث اجتياح مقر طائفة "الفرع الداوودي" في بلدة "واكو" في تكساس (1993). ويعتبر الحادث من المحطات المفصلية في سردية المليشيات الأميركيّة، لأنها ترى فيه تجاوزاً بالسلاح لحدود ممارسة السلطة، إضافة إلى حادث "رودي ريدج" (1992) المتصل به. إذ حاصرت الشرطة الفيدرالية "المجمع الكرملي لطائفة الفرع الداوودي"، وهو تنظيم سياسي له طابع ديني إنجيلي، كان يقوده الداعية ديفيد كوروش، بعد أخبار عن وفرة السلاح في ذلك التجمع. وبعد حصار دام 52 يوماً، اجتاحت الشرطة المقر الذي احترق كليّاً بمن فيه، في تلك المواجهة. وتحمّل المليشيات، الحكومة الفيدرالية، وخصوصاً الحزب الديموقراطي (لأن الحادثة وقعت أثناء ولاية الرئيس بيل كلينتون)، مسؤولية مقتل كوروش وأنصاره، وترى فيه مبرراً لتكديس السلاح ضد تسلّط محتمل للحكومة. وجاء تجمّع أنصار كوروش في الذكرى الأولى لحادث وقع في بلدة "رودي ريدج" بولاية إيداهو، اصطدمت فيه الشرطة الفيدرالية مع عائلة راندي ويفر، وهو عضو في تنظيم "التفوق الأبيض"، كان يبيع السلاح بشكل يخرق قوانين تقييده. وأدى الصدام إلى مقتل زوجة راندي وابنه.

بعض مليشيات أميركا وسردياتها:

1- "رابطة مليشيات للولايات المتحدة" مركزها مدينة بلاكفوت في ولاية ايداهو، مؤسسها صاموئيل شيروود. من أقواله: "الحرب الأهلية آتية ومعها ضرورة قتل المشرِّعين في الولاية".

2- "تقريباً الجنة" مركزها مدينة كاميها في ولاية إيداهو أيضاً، وهي مجموعة مسلحة أسسها بو جريتز. وتعلن طاعتها لقوانين الحكومة، إلا إذا تعارضت مع "قوانين الله والحس العام".

3- "مليشيا مونتانا" مركزها مدينة نوكسون في ولاية مونتانا وتعتبر احدى ابرز المجموعات المتطرفة. أسّسها جون تروخمان. وتدعو المواطنين إلى تشكيل مليشيات غير مترابطة مركزياً لكي تتولى الدفاع عنهم عند الضرورة.

4- "ميليشيا ميشيغن" مركزها مدينة هاربور سبرنغ في ولاية ميشيغن. شرعت في العمل في العام 1993 كرد على "قانون برادي" لتقييد بيع الأسلحة. قادها نورمان اولسون، وهو إنجيلي معمداني.

5- "رابطة العدالة الأميركية" مركزها مدينة انديانابوليس في ولاية انديانا. أسستها المحامية ليندا تومبسون، بُعيد هجوم قوات الأمن الفيدرالي (اف بي آي) على مجمع أو "الفرع الداوودي في واكو".

6- "مليشيا من أجل الدفاع عن الدستور" مركزها مدينة نيوهامشير. وهي مجموعة صغيرة وجيدة التنظيم. يقودها ادوارد براون.

7- "نادي الهضبة الزرقاء للصيد" مركزه ولاية فيرجنيا. وأسسها جيمس وري مولينز الذي يدعو للتسلح استعداداً لحرب مع الحكومة الفيدرالية.

8- "مواطنون من أجل اعادة تنصيب حكومة دستورية" مركزها مدينة مونروي في ولاية كارولينا الشمالية. ويدعو مؤسسها البرت اسبوزيتو، إلى "تخزين أربعة أشياء: الرصاص والاسعافات الأولية والفاصوليا وكتب التوراة". وأسماء هذه الأشياء تبدأ كلها بحرف "بي" بالانجليزية، فهي Bibles، Beans، Bandages،Bullets. وترمي المجموعة إلى فرض "سيادة التوراة والدستور الأميركي".

9- "مليشيا ولاية فلوريدا" مركزها مدينة ستوارت في ولاية فلوريدا. وأسسها روبرت بومر.

10- "مليشيا تكساس الدستورية" ومركزها مدينة ماين في ولاية تكساس. أسسها جون رونالد وقامت بأول عرض عسكري بعد تأسيسها، في 19 نيسان 1994، في الذكرى الأولى للهجوم على "واكو".

11- "حراس الحريات الأميركية" مركزها مدينة بولتون في ولاية كولورادو. قائدها ستيوارت ويب المعروف بعدائه للسامية ونشاطه في ترويج فكرة "المؤامرة" عبر محطات الراديو التابعة إلى اليمين في أنحاء أميركا.

12- "رجال شرطة لمناهضة النظام العالمي الجديد" مركزها ولاية اريزونا. أسسها جاك ماكلامب الذي يذيع برنامجا من محطة خاصة للراديو.

13- "الأمة الآريّة" مركزها هايدن لايك في ولاية إيداهو. أسسها ريتشارد بوتلر. وتدعو إلى تسييد العرق الأبيض.

14- "الجمهرة الكوميشّية" حركة مناهضة لدفع الضريبة، تضم في صفوفها عدداً من المزارعين الذين تأثروا بأزمة الأراضي في مطلع الثمانينات. تؤمن بأن جهاز النقد الدولي هو أداة بيد المؤسسات المصرفية الصهيونيّة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها