الجمعة 2018/10/26

آخر تحديث: 13:31 (بيروت)

هل يُهجّرنا العهد؟

الجمعة 2018/10/26
هل يُهجّرنا العهد؟
increase حجم الخط decrease
هناك ثلاثة مسارات تسير لبنانياً في موازاة بعضها بعضاً باتجاه كارثي واحد.

أولاً، الصراع المسيحي-المسيحي، ورغم كل الترهات عن التدخلات الإقليمية والدولية وخلافها، هو المعرقل الأساسي لتشكيل الحكومة اللبنانية. كل ما يُحكى عن محاولات اقليمية للي الأذرع، غير صحيح ولا يمت للواقع بصلة، بل هناك توافق اقليمي-دولي على تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن لتفادي الكارثة.

الواضح أن العقدة المسيحية مردها محاولة التيار الوطني الحر احتواء النمو القواتي من خلال منحهم حصة محدودة في الحكومة، بما يضمن عملية انتقالية سلسة - بعد "عمر طويل" - من الرئيس ميشال عون إلى خليفته في الحزب والعائلة وصُهره المفضل جبران باسيل. هذه هي العُقدة ولا يوجد غيرها. والدليل على ذلك أن مصادر أوروبية تتحدث عن كلام صريح وجهه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى نظيره اللبناني في ملف تشكيل الحكومة اللبنانية، مفاده أن هذا التأخير يُصيب العهد في مقتل.

والحقيقة أن هذا التأخير بسبب حُصة "القوات اللبنانية" غريب الأطوار ويدل على انعدام الرؤية. على سبيل المثال، كان "حزب الله"، وهو الأقوى على الساحة الشيعية، يمنح حركة "أمل" حصة الأسد في كل شيء، لمصلحة أهداف أكبر. ولو أن العهد فعلاً حريص على إرثه، لما ترك الحكومة تتأخر في ظل وضع اقتصادي يدخل مرحلة الخطر، لقاء خلافات صغيرة على حقائب.

والأمور تتجه الى مرحلة الخطر بالنسبة للعهد نفسه أيضاً، إذ بات هناك في الأوساط "الرمادية" المسيحية، وهم ممن يتأرجحون بين الطرفين في الانتخابات، من يربط بين التجربة الحالية للعهد، وبين حقبة حربي الالغاء والتحرير، والتي خلصت إلى هجرة قسم كبير من المسيحيين. كيف يقبل عهد يدعي الدفاع عن المسيحيين، بإدخال البلاد في أزمة اقتصادية خطيرة نتيجة خلافات صغيرة، ليدفع اللبنانيين ومن بينهم المسيحيون إلى هجرة مماثلة لما شهده لبنان بعد الحرب العالمية الأولى وفي منتصف سبعينات القرن الماضي؟ هذه مهمة فشلت "داعش" في تحقيقها، لكن تبدو الطبقة السياسية اللبنانية مصممة على تنفيذها.

هذا المسار الكارثي الأول. الثاني مرتبط عضوياً به، وهو الإقتصاد. الوكالات الاعلامية والمؤسسات المالية الدولية تنشر التقرير تلو الآخر عن تردي الوضع الاقتصادي اللبناني، ودخوله مرحلة الخطر. آخر هذه التقارير كان في صحيفة الفايننشال تايمز، وتحدث فيه عن توقعات دولية بانخفاض مستوى النمو الاقتصادي في لبنان الى الواحد في المئة، وإلى تباطؤ وفشل الطبقة السياسية اللبنانية في تحقيق الشروط المطلوبة من أجل الحصول على استثمارات مؤتمر سيدر في البنية التحتية من أجل تحفيز الاقتصاد ورفع مستوى موارد الدولة اللبنانية.

الأرقام باتت كلها معروفة. مستوى الدين العام هو الثالث عالمياً (معدل الدين على الناتج المحلي-أي حجم الاقتصاد الكلي). 40 % من موارد الدولة تذهب الى رواتب القطاع العام المتضخم، ومثلها لخدمة الدين العام، وهذه نسب مهولة. لبنان في حاجة لرفع النمو الاقتصادي بشكل كبير لتفادي كارثة. ولا حكومة تفعل ذلك لأن هناك خلافاً بين التيار والقوات على الحقائب.

المسار الثالث هو العقوبات الأميركية على "حزب الله". والتعديل الأخير على هذه العقوبات، والتي وقعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، باتت سارية المفعول. بحسب خبراء في هذا المجال، التطور الأبرز في العقوبات أن الكونغرس فرض على الإدارة الأميركية تقديم تقارير دورية عن المسؤولين الكبار في "حزب الله" وعلاقاتهم وكيفية حصولهم على الأموال. ومثل هذه الآليات تعني عادة أن الكونغرس يُريد من الإدارة الأميركية فرض عقوبات جديدة بشكل دوري، وهذا خطر بما أنها تجاوزت المسؤولين والمؤسسات الحزبين إلى الشركاء من خارج هذه الدائرة الضيقة.

يحتاج احتواء مفاعيل هذه العقوبات الى حكومة مفقودة حالياً. مسؤول أميركي رفيع المستوى ومتخصص في العقوبات، لم يجد حكومة يُقابلها عند زيارته لبنان بالأمس في اطار جولة اقليمية.

ذاك أن مستقبلنا حبيس الأجندات الصغيرة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها