الجمعة 2018/10/19

آخر تحديث: 10:55 (بيروت)

المستقبل للروسي لا الإيراني

الجمعة 2018/10/19
المستقبل للروسي لا الإيراني
increase حجم الخط decrease

إسقاط الطائرة الروسية في 17 أيلول (سبتمبر) الماضي، فتح الباب واسعاً أمام تكهنات عن الصدام الروسي المرتقب مع اسرائيل وقواتها، وكأن موسكو انقلبت على الدولة العبرية، وستبدأ بتأديبها لمصلحة النظام السوري وإيران وغيرهم من مريدي ذلك في المنطقة.

الحقيقية أن هذه التحليلات والتوقعات لا تتوافق إطلاقاً مع نمط التدخل الروسي منذ عام 2015، وقد دخل سنته الرابعة. ومن النادر ان تُرصد ردود فعل في خطوات التدخل الروسي، بل تبدو بكليتها مدروسة وضمن استراتيجية متكاملة.

ولو رجعنا الى بدايات التدخل الروسي لرأينا ذلك جلياً. بعد شهور على دخول القوات الروسية، وتحديداً في شباط (فبراير) عام 2016، أسست الشرطة العسكرية الروسية مركز المصالحة لتبدأ بعدها بتنفيذ سلسلة مصالحات انتهت بإخراج المعارضة من معاقلها الاساسية، واحدة واحدة.

والواقع ان هذا الدور للشرطة العسكرية جاء نتيجة استخلاص الدروس من تجربة حربي أفغانستان والشيشان الثانية. في الصراع الأخير، كان الخيار أمام البلدات المحلية المتمردة بين الموت جوعاً وتصاعد المضايقات أو المصالحة والتعاون مع فرق مسلمة مِن الشرطة العسكرية. موسكو اعادت استخدام الفرق نفسها في إطار استراتيجية لإعادة تكرار التجربة الناجحة سابقاً في إنهاء التمرد.

على الصعيد الإقليمي، لم تُقدم روسيا على اَي تغيير أساسي في اللعبة. ذلك ان روسيا صديقة للجميع، بما يتيح لها دور وسيط، ومفتاح للحلول بين هذه القوى الإقليمية المتخاصمة. موسكو قادرة على دوزنة الضربات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية، كي لا تؤثر في سير معارك الداخل. تعاقب اسرائيل حينها، كما فعلت عند نشر منظومة اس 300، وتُحرج الإيرانيين بتنسيقها مع اسرائيل، وبدعواتها المتقطعة لانسحاب القوات الأجنبية من سوريا، ما عدا الروسية طبعاً.

وهذا دور قد تلعبه روسيا في لُبنان أيضاً، مقابل أثمان لم تتحدد بعد.

في الداخل السوري أيضاً، لعبت روسيا دوراً اكثر دراية بطبيعة النظام، اذ ركزت على تنمية وجودها بصمت في مراكز القوى العسكرية والأمنية من هيئة الأركان الى المخابرات، على عكس الدور الإيراني. ذاك أن إيران راهنت على النفوذ الموازي للمؤسسات الأمنية والعسكرية السورية. لا ينم النفوذ البارز الفاضح عن ذكاء وفطنة في التدخلات الخارجية وديمومة التأثير.  

كان الرهان الإيراني في صميمه على بقاء الدولة السورية ضعيفة، وفِي حاجة إلى دعم دائم من محور المقاومة، وعلى أن نظام الأسد سيسمح بنمو شبكة النفوذ الإيرانية المؤدلجة، ليس في صفوف الطائفة الشيعية الصغيرة فحسب، بل أيضاً وسط العلويين. وهذه الاستراتيجية تتناقض مع هوية علويي النظام، وكذلك مع سياسته حيال هذه الطائفة الموالية.

والحال أن الإيرانيين هنا يُحاولون تطبيق استراتيجيتهم في لبنان، وإلى حد ما في العراق، على الساحة السورية المختلفة في السياق على الأقل. ففي العراق ولبنان، حربان أهليتان وذوبان للدولة ومؤسساتها، سبقوا التدخل الإيراني. حينها، وعندما دعمت إيران جماعات على طرف نقيض مع مشروع الدولة، ملأت فراغاً تركته الحرب.

في سوريا، دعمت ايران النظام السوري عسكرياً، وإلى حد ما اقتصادياً، لكنها أيضاً قوّضت من سلطته لمصلحة الميليشيات والمؤسسات الشيعية التي نمت كالفطر منذ عام 2012. يأمل الإيراني في سوريا بالإمساك بقرار الحرب والسلم، وإدخال سوريا في منظومة الردع الايرانية، وتشكيلة أوراق طهران في مواجهة خصومها. دولة ضعيفة وميليشيات قوية تحميها.

في المقابل، يُراهن الروسي على بناء مواقع نفوذ له داخل النظام السوري، ومن ثم تعزيز مؤسساته، واللعب على التناقضات الاقليمية. هما رهانان متناقضان، لا بد أن يُقوّض إحداهما لينجح الآخر. هل يتعافى النظام السوري ومؤسساته الأمنية، ويفوز الرهان الروسي، أم يتداعى النظام ويواصل اعتماده على الإيرانيين في الأمن.

حتى الآن، يبدو الحصان الروسي هو الرابح.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها