الجمعة 2018/10/12

آخر تحديث: 10:23 (بيروت)

حزب الله:الاندماج المرغوب

الجمعة 2018/10/12
حزب الله:الاندماج المرغوب
increase حجم الخط decrease
كلما بدت حقيبة الصحة محسومة لـ"حزب الله"، تصاعدت التهديدات الأميركية، وإلى حد أقل، الأوروبية أيضاً. للموقف الأميركي ركنان: أولاً، استهدفت نواة "حزب الله" (قبل اعلان تأسيسه رسمياً) القوات الأميركية في لبنان عام 1983 ومن ثم السفارة الأميركية في البلاد. ثانياً، تعتبر اسرائيل الحزب ارهابياً وخطراً على أمنها ووجودها، بما ينسحب على الولايات المتحدة، نظراً للتأثير المعروف للوبي الإسرائيلي فيها.

وهذه الإدارة تحديداً بقيادة دونالد ترامب قررت تسليم مفاتيح سياستها في المنطقة، تدريجياً إلى اسرائيل. والرغبة الاسرائيلية اليوم، كما يبدو من تصريحات المسؤولين ومراكز الأبحاث الموالية لليكود في واشنطن، تقضي بحل من اثنين: إما حرب أهلية ضد "حزب الله"، أو المساواة بينه وبين لبنان في العقوبات. هذه مقاربة عسكرية، وما يُسهلها أن التمايز بين "الاعتدال العربي" وواشنطن من جهة، وبين اسرائيل، يذوب في مواجهة إيران. ومع هذا التحول، يزداد التوافق صعوبة.

في أحسن الأحوال، يتسم الموقف الأميركي من مشاركة الحزب في الدولة، بأنه طوباوي وجامد، وبالتالي لا يتوافق مع المصلحة اللبنانية، سيما أن الحزب يُمثل الشريحة الأكبر من اللبنانيين الشيعة، وهم ثُلُث السكان. واستبعاد الحزب نهائياً وأبدياً من السلطة اللبنانية يمسُّ بالركن الأساسي للسلم الأهلي، وهو التوافق الطائفي، ناهيك عن امتلاكه حالياً ترسانة من السلاح والتحالفات الداخلية.

لكن من وجهة نظر المصلحة اللبنانية اليتيمة، علينا طرح السؤال الآتي: أين السوء في انخراط حزب مسلح في العمل الحكومي؟ أليس في ذلك احتمال ولو ضئيل، بتنمية اهتمام هذا التنظيم بالحكومة اللبنانية وباستمراريتها، مقارنة بتركيزه الكامل حالياً على العمل المسلح والصراعات الإقليمية؟ وألا ينطوي ذلك على تغيير في علاقة الحزب مع جمهوره، والتي تتسم بالتقديس والتأليه حالياً؟

أي مفاوضات اليوم لتسليم ترسانة لتنظيم مسلح، تتضمن دخولاً تدريجياً له في أجهزة الدولة، وحقائبها الوزارية. وبالتالي فإن المطلوب هو "تورط" مثل هذا التنظيم في الدولة، إن كان عبر انضمام عناصر التنظيم الى قواتها المسلحة (جيش وشرطة)، أو من خلال توليهم مسؤوليات تتطلب وقتاً واهتماماً وتفريغاً لموارد على حساب قطاعات أخرى، مثل الحروب والصراعات الخارجية.

حالياً، يتعارض برنامج الحزب وسياساته مع المصلحة اللبنانية في التفسير الأوسع لها، لا الأضيق، إن كان لجهة تعزيز دور الدولة والتوافق الداخلي من خلال حصر السلاح بيد الجيش، أو ضمان علاقة لبنان بمحيطه العربي، علاوة على المتطلبات الأساسية للاقتصاد اللبناني من انفتاح على الغرب، والنأي بالنفس عن الصراعات الاقليمية. ذلك أن التنظيم يتلقى تمويله من إيران، ولديه ارتباط ايديولوجي ومؤسساتي على مستويات مختلفة معها، ومن الصعب تخيل خروجه عن هذا التحالف في المدى المنظور.

لكن من مصلحتنا ليس فقط أن نُجرب، بل أن نكتسب وعياً حيال أسس الموقف الأميركي، ومحاولة ايجاد حلول لتجنب الصدام المدمّر مع واشنطن، أو عزل الحزب بما يزيد منسوب التوتر، وينعكس سلباً على اقتصاد البلاد وسلمها الأهلي.

من الصعب تخيّل نتائج سلبية لمشاركة الحزب في الحكومة بحقيبة رئيسية. في أسوأ الأحوال، لو استغل الحزب الحقيبة لتبييض الأموال كما يخشى البعض، فإن مثل هذا الأداء يتناقض مع وعوده الانتخابية، وسينعكس سلباً على صورة التنظيم بين مناصريه وفي قلب بيئته، وفي أوساط الطوائف الأخرى. وهذا استمرار للنمط السائد حالياً.

ولو نجح "حزب الله" في تحقيق وعوده الانتخابية، أي تقديم نموذج أفضل في الإدارة وتعزيز الأجهزة الرقابية من ديوان المحاسبة إلى مجلس الخدمة المدنية وغيرها، قد ترتفع الأصوات المطالبة بدور له أوسع نطاقاً في إدارة الحصة الشيعية، وقد يُشجع خصومه السياسيين على اتباع نهج مماثل، بما ينعكس ايجاباً على الجميع.

بكل الأحوال، أي انخراط قد يُسهل تفرغ الحزب للعمل السياسي وتركه السلاح ولو تدريجياً، إذا حصلت تغيرات داخل ايران، أو ضعفت قدرتها على التمويل كما يُتوقع خلال الشهور والسنوات المقبلة.

في هذا القول تفاؤل مُفرط. لكنه السيناريو الوحيد الخالي من الدماء والآلام، ومعبره الإلزامي هو المزيد من المشاركة، وليس تجنبها بضغوط خارجية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها