الإثنين 2018/10/01

آخر تحديث: 23:40 (بيروت)

أمل فتحي: أبعد من الجندر

الإثنين 2018/10/01
أمل فتحي: أبعد من الجندر
أمل عضو في "حركة 6 أبريل"، وزوجها محمد لطفي، ناشط حقوقي ومدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات
increase حجم الخط decrease
تتعدى قضية الناشطة المصرية، أمل فتحي، مجرد معاقبتها على نشرها فيديو، تنتقد فيه تعرضها للتحرش. فالحكم بالسجن سنتين مع إيقاف التنفيذ، أكثر من "شائن"، على ما ذهب بيان منظمة العفو الدولية، لأنه يعاقبها "ببساطة لأنها تحلت بشجاعة التحدث عن التحرش الجنسي". فأمل عضو في حركة 6 أبريل، وزوجها محمد لطفي، ناشط حقوقي ومدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات. أي أن للقضية بعداً سياسياً يتجاوز مسألة النساء وأوضاعهن في مصر. كما أن أمل، ما زالت محبوسة على ذمة قضية أخرى، هي القضية 621 أمن دولة، والتي تتهمها مع عدد من النشطاء، بالانضمام إلى منظمة إرهابية، واستخدام شبكة المعلومات "للترويج لأفكار ومعتقدات داعية لارتكاب أعمال إرهابية".

يظل الفصل ما بين ما هو جندري وما هو سياسي، عسيراً. كما أن افتراض تطابقهما، والذهاب إلى أن كل ما هو جندري هو سياسي بالضرورة، لا يبدو دقيقاً بما يكفي، ويدفعنا إلى تعميم تضيع معه قضايا ذات خصوصية تتعلق بالنساء، وفي الوقت نفسه لا يبدو مفيداً لفهم السياسي. كان البلاغ المقدم ضد أمل قد اتهمها بـ"توجيه السباب والإسقاط بصورة حادة ومتجاوزة بألفاظ نابية تجاه كافة مؤسسات الدولة، والسب في حق الانتماء الوطني". حمل الفيديو الذي نشرته الناشطة في صفحتها في فايسبوك، تجاوزاً لخطوط حمر كثيرة، لدى السلطة. فغير شكواها من التعرض للانتهاكات كامرأة، هي انتقدت مؤسسات الدولة وسلبيتها تجاه هذه التجاوزات، وفوق هذا تشكت من تدني مستوى الخدمات بشكل عام. ويلخص حكم المحكمة هذه الاتهامات، بأنها "نشر أخبار كاذبة" وبث فيديو يتضمن "ألفاظاً خادشة".

وتتشابه تلك الصياغة، مع مسوغات الحكم الثقيل بالسجن الذي نالته اللبنانية منى المذبوح في قضية مماثلة. وفي الحالتين، أبدت السلطة حساسية شديدة تجاه انتقادها، سواء جاء هذا النقد من المعارضة الداخلية أو من "الأجنبي". وفي تفاصيل القضيتين، يمكن تلمس المبالغة في رد الفعل، كون الشكوى تتعلق بالنساء وتعرضهن للتحرش. فصورة الفحولة العسكرية التي يصدّرها النظام عن نفسه، مثلها مثل أي سلطة ذكورية، لا تدعي فقط قدرتها على ضبط النساء، بل وحمايتهن أيضاً. لذا، فإن ترويجاً لانتشار التحرش الجنسي في الأماكن العامة، وتقصير الدولة في منعه، يبدو خدشاً مهيناً لتلك الصورة.

ومع هذا، فإن السلطات لا تنفي في الحقيقة وقوع انتهاكات ضد النساء، بل على العكس، يبدي النظام الحالي اهتماماً غير مسبوق بالأمر. ففي العام 2014، زار الرئيس السيسي، بصحبة وزير الدفاع والقيادات العسكرية، إحدى ضحايا التحرش في المستشفى، واعتذر لها أمام الكاميرات، ودعا المؤسسات وعامة المواطنين إلى الوقوف بحزم أمام حوادث التحرش. أما السلطة التشريعية، فقد عملت على مناقشة قوانين توسعت في تعريف التحرش، وصور أخرى من الانتهاكات التي تتعرض لها النساء، وأغلظت عقوباتها أيضاً. ومن الناحية القضائية، فإن أحكاماً غير مسبوقة بإدانة المعتدين، توالت خلال السنوات القليلة الماضية، وكان من ضمنها حكم بالسجن، للمرة الأولى العام الماضي، على متهم بالتحرش.

إلا أن الانتقائية في التعامل مع قضايا المرأة، ليست مجرد تناقض في خطاب السلطة وممارساتها، بل هي لب وسائلها السلطوية للحكم. فحق العدالة يظل مرهوناً بالانتماء السياسي للمتظلمين، وموقعهم من مخطط السلطة. وحق الشكوى ليس مشاعاً، أو مسموحاً به في المجال العام، ولا في شبكات التواصل الاجتماعي الخارجة عن السيطرة. بل هو مسموح به ضمن حدود بعينها، ومحصور في المسارات الخاضعة للهيمنة الكاملة للدولة. أما تلك الحقوق البديهية المفترض أن تتمتع بها النساء، بوجه عام، كالحق في السلامة والأمن في الأماكن العامة، فتظل واقعة في منطقة رمادية، وتبدو قواعدها مراوغة عمداً وغير حاسمة. فالمسافة بين المعلَن والمنفَّذ، الرسمي والواقعي، العام والمحلي، والتفاوت من حالة إلى حالة، والغموض المتعمّد في تطبيق القانون، خصوصاً في ما يخص الجماعات الأضعف، مثل النساء، كلها من أركان السلطوية في مصر، نظاماً تلو الآخر.

وكما تُرينا قضية أمل فتحي، مرة أخرى، تبدو القواعد هشة إلى أقصى حد. فمن الممكن أن يتحول الشاكي إلى مُدان، والضحية إلى مُذنِب، والشكوى إلى دليل اتهام، لتبقى مفاهيم النظام العام محصورة، لا في القوانين أو المؤسسات أو المنطق، بل في يد مَن يملك السلطة، وبحسب أهوائه. وفي هذا تحديداً، تتجلى السلطوية في أكثر صورها ثقلاً، في المساحة التي تتهاوى فيها الحدود بين السياسي والجندري.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها