السبت 2017/05/06

آخر تحديث: 11:01 (بيروت)

مصر.. إن سَوَّقت جنسيتها

السبت 2017/05/06
increase حجم الخط decrease
ربما كان شيء من الحرج، هو ما دفع اللجنة البرلمانية المصرية التي أقرت مقترح قانون "الجنسية مقابل المال"، إلى اشتراط إقامة الأجنبي 5 سنوات أولاً في مصر، قبل أن يتقدم بطلب الحصول على الجنسية المصرية، مرفقاً بالتنازل عن وديعة مالية دولارية (لم تحدد قيمتها بعد)، ثم بعد الموافقة الأمنية، ينال الأجنبي وثيقة الجنسية لقاء دولاراته. ربما اشترطت اللجنة مرور تلك السنوات أولاً، كي يبدو الأمر "طبيعيا" إلى حد ما، أشبه بما يحدث مع المستثمرين في "العالم المتقدم"، لا محض مسألة تجارية يعامل فيها جواز السفر كسلعة في السوق.


غير أن فرضية "الحرج" تلك لا ينبغي اعتناقها من دون تفكير، إذ أن تلك السنوات الخمس التي تنتهي بتقديم طلب الجنسية، تشترط أولاً – بحسب مشروع القانون- ربط وديعة مالية بالعملة الأجنبية في أحد البنوك المصرية، وذلك طوال السنوات الخمس، ما يُعدّ استثماراً غير مباشر لدعم الاقتصاد. كما أن مقترح قانون الجنسية، تواكب مع تعديل آخر، وافقت عليه اللجنة البرلمانية ذاتها، يسعى إلى رفع رسوم الإقامة السنوية للأجانب في مصر، من 4 آلاف جنيه مصري (حوالى 200 دولار) إلى (1000 دولار أميركي) يتم سدادها بالعملة الصعبة. الأمر الذي يحقق، بحسب تصريحات أعضاء اللجنة، أكثر من 5 مليارات دولار سنوياً من حصيلة تجديد الإقامة فقط، في ظل وجود حوالى 5 ملايين أجنبي في مصر، كما أن مُقترح الجنسية، سيدرّ أكثر من 10 مليارات دولار أخرى، في حال استقر الرأي على أن تكون الوديعة المتنازل عنها لقاء الجنسية في حدود 500 ألف دولار أميركي.

تلك الأرقام المليارية الهائلة، السنوية والخمس سنوية، التي بشّر بها النواب، دفعت نائباً آخر إلى التساؤل ساخراً: لماذا لجأت الحكومة إذاً إلى الاقتراض من البنك والصندوق الدوليين "طالما لدينا هذا الحل العبقري"؟

وحتى من دون التعمّق في المسألة، يمكن ملاحظة أن تلك المبالغ الخرافية التي يتبارى النواب في الترويج لها، لا تستند إلا إلى حاصل عدد الأجانب المقيمين في مصر، مضروباً في المبالغ المقترحة للحصول على الإقامة أو الجنسية، من دون أدنى نظر إلى الحالة الاقتصادية المتواضعة لغالبية الملايين الخمسة من الأجانب والعرب المقيمين في مصر، والذين يغلب عليهم اللاجئون أو مَن هم في وضع ماديّ ليس أفضل كثيراً من اللاجئين. أما من يملك كل هذه الدولارات، فلا يحتاج إلى شراء جواز سفر، أمواله هي "باسبوره" إلى أي مكان.

لا يفعل هذا الاقتراح، المقدَّم معزولاً عن أي تحديث شامل لقانون الجنسية، إلا وضع جواز السفر، وهو (وثيقة ذات شأن عظيم) كما تقول الكلمات المكتوبة عليه، في وضع السلعة القابلة للشراء والبيع والمساومة، وتقييم ومناقشة "الثمن" بشكل فيه كثير من الإساءة إلى الجواز وحامليه، خصوصاً في مرحلة تعاصر فيها مصر قانوناً عجيباً من نوعه، هو القانون الرقم 140 للعام 2014، الذي يسمح بالإفراج عن مزدوجي الجنسية إذا تنازلوا عن الجنسية المصرية، أو على وجه الدقة، تسليمهم إلى دولهم خارج مصر شرط التنازل عن الجنسيّة المصريّة أولاً. وهو القانون الذي استفاد منه المعتقلان المصري الأميركي محمد سلطان، والمصري الكندي محمد فهمي، فتنازلا عن جنسيتهما المصرية وأطلق سراحهما، بينما رفضت استخدامه المصرية الأميركية آية حجازي فبقيت 3 سنوات في الحبس. فكيف يمكن إذاً، حتى بالمعنى التجاري البحت، "تسويق" جواز سفر، يعني التنازل عنه "الحريّة"، حرفياً؟

لقد أجاب مقدّمو الاقتراح على اتهام القانون بـ"بيع الجنسية"، بالقول إن مثل ذلك موجود حول العالم "في أوروبا وأميركا"، غير أن ذلك "العالم"، لا يمنح الجنسية "للمشترين"، بل يمنحها للمستثمرين بالقدر نفسه الذي يمنحها به للعاملين الذين أقاموا سنوات ودفعوا الضرائب ولم يخالفوا القانون، وهو يمنحها أيضاً إلى الزوج الأجنبي للمواطنة الأصلية، وليس إلى زوجة المواطن الأصلي فحسب، وهو يمنح الجنسية بمجرد الميلاد على أراضي البلد، ويمنحها لو كان أحد الأبوين- حتى لو لم يكونا متزوجين- حاملاً للجنسية، والأهم إنه حين يستقبل اللاجئين والهاربين إليه، فإنه يقدم إليهم المساعدات، ولا يفكر في الكسب منهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب