الثلاثاء 2017/10/03

آخر تحديث: 08:18 (بيروت)

جريمة لاس فيغاس غير ارهابية

الثلاثاء 2017/10/03
increase حجم الخط decrease


تنفس ملايين العرب والمسلمين في اميركا وحول العالم الصعداء صباح الإثنين، وهم يتابعون عبر وسائل الاعلام المتنوعة تطورات جريمة القتل الجماعي التي وقعت في مدينة لاس فيغاس، وأودت بحياة 58 شخصًا واصابت أكثر من 500 أخرين بجروح، ويتأكدون بما لا يدع مجالًا للشك أن الفاعل ليس عربيًا ولا مسلمًا وانما أميركي أبيض ينضم الى سلسلة طويلة من اقرانه الذين يرتكبون جرائم القتل الجماعي دون حافز واضح ودون رادع مانع.
إذًا العملية غير "إرهابية". لن يكون على كل عربي ومسلم في اميركا ان يسعى لإعلان براءته من الإرهاب، لن تكون هناك كاميرات وفرق تلفزيونية امام كل مسجد لتمنح الائمة والمؤمنين فرصة التأكيد على سلمية الدين الإسلامي ورسالته السمحاء. لن تطوف سيارات البث المباشر في الأحياء والمدن ذات الكثافة السكانية العربية والإسلامية من نيويورك ونيوجرسي الى كاليفورنيا واريزونا مرورًا بميشيغن وإلينويز لإلتقاط تقاسيم الملامح السمراء وتعابير الوجوه الملتحية.

عبء هائل زال تلقائيًا عن كاهل العرب الأميركيين الذين يعانون طويلًا منذ هجمات 11 أيلول الإرهابية والذين يعانون اليوم أكثر مع الرئيس الأحمق دونالد ترامب الذي بدا وكأنه منزعج من هوية القاتل أكثر من انزعاجه من هول الجريمة، ومن اعلام يميني كريه امتهن الاستثمار في الكراهية ضد العرب والمسلمين والمهاجرين عمومًا، ومن أصدقاء إسرائيل الكثر الذين يملأون الشاشات بصفتهم خبراء في الارهاب ومشتقاته.
أذًا العملية غير إرهابية. كم تثير هذه الحقيقة غيظ الليبراليين ومعهم المتضررين من الصاق تهمة الإرهاب بهم. الا انها الحقيقة المستندة الى القانون. القانون الأميركي يميز بوضوح بين الجرائم. هناك جرائم القتل الجماعي العبثية، كتلك التي حصلت في لاس فيغاس بالأمس، والتي ينظر اليها القانون كجريمة قتل جنائية، وهناك جرائم الكراهية التي يكون الحافز لها خلفيات او مشاعر عنصرية كالتي حصلت كنيسة سوداء في تشارلستون في ولاية ساوث كارولينا في حزيران / يونيو 2015، وذهب ضحيتها تسعة من أصل افريقي على يد قاتل ابيض، وهناك الجرائم التي ترتكب لأسباب خارجية وترتبط بمسائل خارجية حتى لو لم يكن المنفذ غير أميركي.

يعرّف القانون الفدرالي الإرهاب بـ:" الاستخدام غير القانوني للقوة والعنف ضد اشخاص او ممتلكات من اجل تخويف واكراه الحكومة او السكان المدنيين، او أي قطاع آخر، لتحقيق اهداف سياسية او اجتماعية". وزارة الدفاع الأميركية غيرت تعريفها للإرهاب عام 2010، ليتضمن النص الوارد في القانون الفدرالي مع إضافة تقول:" الإرهاب غالبًا ما يكون مدفوعًا بمعتقدات دينية، سياسية، او عقائدية ويمارس لتحقيق اهداف سياسية". اما وكالة إدارة الطوارئ الفدرالية فتتوسع في تعريف اهداف الإرهاب وتورد ثلاثة اهداف رئيسة هي: خلق حالة خوف بين الجمهور، محاولة اقناع المواطنين ان حكومتهم غير قادرة على الحد من الإرهاب، وتحقيق دعاية فورية لقضية ما.
امام هول جريمة جماعية يبدو العمل على تصنيف الجرائم قانونيًا كضرب من تخمين جنس الملائكة، الا ان هذا التصنيف الذي لا يعني شيئًا للضحايا، وقد يعني بعض مشاعر الكراهية لذويهم في حالاتها الثلاث، صار يعني الكثير سياسيًا في اميركا خصوصًا في ظل رئاسة ترامب الباحث عن اية ذريعة لمعاداة المهاجرين والعرب والمسلمين أكثر باعتبار ذلك نقطة الارتكاز لجمهوره اليميني المحافظ الذي اوصله الى سدة الرئاسة والذي يحميه حتى الآن، أقله في أروقة الحزب الجمهوري من المساءلة. بالطبع لا يهتم ترامب لمشاعر ملايين العرب والمسلمين الذين تزداد معاناتهم النفسية والمعنوية مع كل جريمة جديدة، لكن اللافت انه مهما كان نوع الجرائم ينبري المحافظون للدفاع عن أداة الجريمة.
اكتشفت الشرطة في غرفة القاتل ستيفن بادوك في فندق ماندلي باي في لاس فيغاس عشر بنادق رشاشة وبضعة مسدسات اشتراها بشكل قانوني خلال اقل من أسبوع. وقبل ان تنجلي حقيقة الجريمة ويتبين حجمها كانت المتحدثة باسم البيت الأبيض ساره هاكبي ساندرز تحاول صد أي حديث عن تغيير قوانين شراء الأسلحة النارية. قالت في جملة مختصرة: الوقت الان ليس لمناقشة قانون الأسلحة. لكن هذا الجواب لم يعد يكفي كما قال قادة الحزب الديمقراطي في تصريحات داعية الى تعديل القانون. تبدو المسألة الآن أكثر الحاحًا فأميركا تعاني من وباء القتل الجماعي حيث شهدت منذ بداية العام وحتى الآن 273 جريمة قتل جماعي ذهب ضحيتها في اقل التقديرات 6000 قتيل و 13 الف جريح.
       

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها