الأربعاء 2017/10/18

آخر تحديث: 17:31 (بيروت)

ثمن " الخيانة الكردية "

الأربعاء 2017/10/18
increase حجم الخط decrease

انجزت قوات البشمركة الكردية انسحابها من قضاء خانقين على الحدود بين العراق وإيران؛ لصالح تقدم القوات الاتحادية العراقية من دون اية مقاومة مسلحة تذكر . وبسطت  مجموعة أيزيدية عراقية تابعة لقوات الحشد الشعبي سيطرتها الكاملة على مدينة سنجار الواقعة شمال غربي العراق بالتنسيق مع القوات العراقية النظامية التي تواصل عمليات تطهير شوارع كركوك من اعلام الاقليم الكردستاني بعد انسحاب المجموعات الكردية من المدينة التي صوت غالبية سكانها لصالح الانفصال عن العراق والالتحاق بالدولة الكردية .

قراءة قد تكون عادية لخبر يومي في الاعلام العراقي والتركي والايراني مثلا ، لكن ارتدادات ما جرى في شمال العراق وجواره في الايام الاخيرة ستكون بدايتها مع اشعال فتيل نقاشات حزبية وسياسية كردية داخل العراق وخارجه وستصل خاتمتها الى فتح الأبواب أمام تحولات سياسية وعسكرية وجغرافية واسعة ابسطها حتمية تغيير خريطة التحالفات وتقاسم النفوذ والسيطرة على الجغرافيا العراقية ببعدها الداخلي والخارجي .


رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي شكر قوات البشمركة التي تعاونت مع بغداد في انجاز المهمة والرئيس العراقي نفسه سيكون عرضة للمساءلة في المخطط الذي تلاعب بقلوب وعقول الملايين من الاكراد الذين قصدوا صباح 25 ايلول / سبتمبر الماضي صناديق الاستفتاء لا يعرفون الكثير عن الجهات التي مولت التجهيز والتجييش والتعبئة فيها لينتهي الامر عند ما قاله العبادي لهم "ان الاستفتاء انتهى واصبح من الماضي".


هزيمة كركوك التي ستدخل التاريخ الكردي المعاصر وارشيف الحزب الديمقراطي الكردي التابع لمسعود البارزاني على أنها طعنة في الظهر و" خيانة الاخوة " ، سيقابلها في الجانب الكردي الاخر المحسوب على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني التابع لاسرة طالباني تبريرات غير مقنعة حول  " انهاء تسلط اربيل على مقدرات النفط والتفرد بالقرار السياسي هناك " .


لاهور شيخ جنكي، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، وابن أخ جلال طالباني يقول " إذا كانت لبارزاني ذرة غيرة لأعلن استقالته من رئاسة الإقليم فهو يحارب من أجل النفط ونحن من أجل الوطن " لكن الذي تعرفه قيادات السليمانية أيضا انها لن تنجو من دفع الثمن هي الاخرى مهما حاولت رمي الكرة في ملعب البارزاني الذي فقد بفقدان كركوك 80 في المائة من موارد الاقليم النفطية . ليس من اللائق أن يستيقظ أبناء كردستان العراق الذين دعموا قرار الاستفتاء وفرحوا لفرصة رؤية دولتهم المستقلة من الحلم وقد حوله البعض الى كابوس بهذه السرعة وعلى هذا النحو .

البارزاني هو الذي جلب الدب الى كرمه عندما قال " كركوك مدينة كردستانية، هويتها كردستانية وأي قوة تفكر في أن تستردها بالقوة سيواجهها كل شعب كردستان المستعد للموت إلى آخر شخص للدفاع عنها " . وها هو اليوم يصف ما حدث في كركوك بنتيجة لقرار انفرادي اتخذه بعض الأفراد التابعين لجهة سياسية داخلية في كردستان، انتهت إلى انسحاب قوات البيشمركة بالشكل والطريقة اللذين رآهما الجميع.  قيادات وكوادر حزبه هو لا بد أن تسأله عن اسباب عدم المقاومة حتى ولو كانت المعركة خاسرة ومكلفة وبعد كل هذه التعبئة الشعبية والسياسية في معركة الاستفتاء ؟ الثمن سيكون باهظا والانهيارات الحزبية ستبدأ في اربيل عاجلا أم اجلا .

بغداد ستستفيد حتما من المواجهة السياسية والحزبية المرتقبة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في الاقليم مع تزايد عدد الاصوات في صفوف قيادات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني التي تدعو للتخلي عن اتفاق سنة 2000 بشأن توحيد الإدارتين المدنيتين في السليمانية وأربيل، والعودة إلى صيغة الإدارتين المنفصلتين. لكن اكثر من سيناقش المسألة سيكون كبار المنظرين الماركسيين في حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل وابنه المدلل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في الحلقات الفكرية والمدارس العقائدية التي ارتفع عددها في القامشلي وكوباني . الهدف طبعا هو تحميل رموز العشائر الكردية في اسرتي البارزاني والطالباني المسؤولية الكاملة عن هذه المهزلة . المواجهات الحزبية والفكرية قد تكون بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في اقليم كردستان العراق ، لكن المواجهة العسكرية والميدانية الحقيقية ستكون عبر تحرك مجموعات قتالية كردية في سوريا وتركيا لسحب البساط من تحت قدمي اربيل والسليمانية . لن يستغرب احدا اذا ما زاد عدد انصار المقاومة المسلحة الكردية في شمالي العراق وسوريا وارتفعت اصوات جديدة تطالب باستراتيجية تحرك ونضال كردي جديدة ونقل مركز القيادة الى مكان اخر غير اقليم العراق .


البارزاني الذي كان يتحدث عن " حدود الدم " التي رسمت باللون الاحمر بعد تحريرها من تنظيم داعش بالتعاون والتنسيق مع الحليف الاميركي يحدثنا هذه المرة عن تبني حدود عام 2016 لكن الحقيقة هي غير ذلك كليا . بغداد مثلا تتحدث عن الحدود التي رسمت باللون الاخضر عام 2005 لكن اصواتاً عراقية كثيرة تطالب بفتح ملف عودة الشرعية المركزية الى ما قبل حدود عام 2003 اي ما قبل حدود الدستور العراقي نفسه المعلنة عام 2005 .

في البعد الاقليمي لارتدادات ما جرى تبرز حقيقة الانتصار الايراني سياسيا وعسكريا واقتصاديا وتوغل وتمركز طهران اكثر فاكثر في الملف العراقي . هل هي خدعة اميركية اعدها اعوان ترامب لايران من اجل ايقاعها في الفخ العراقي ام هي حقيقة جديدة في المشهد العراقي أن نرى بافل الطالباني نجل زعيم الاتحاد الوطني الكوردستاني الراحل، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني امام طاولة مساومات تفتح الطريق على وسعها امام ايران داخل شمال العراق على هذا النحو .

هل اميركا هي التي نصحت اربيل بعدم الدخول في مواجهات عسكرية مع القوات الاتحادية ؟ ولم تصغ اربيل لواشنطن هذه المرة بعدما لم تصغ لها في موضوع التراجع عن قرار الاستفتاء ؟ طبخة ما تعد من المبكر الحديث عن طباخيها والمكان الذي تعد فيه وطريقة اعدادها وتقديمها للذواقة .

الثمن الذي قد تدفعه ايران ولن يكون من جيبها حتما التضحية بتحالفات اقليمية كثيرة بنتها في سوريا والعراق واليمن مقابل الجلوس الى طاولة مفاوضات اميركية او ان يكون العكس هو الصحيح واشنطن ستساوم لكنها لن تقبل بايران شريكا اقليميا لها على حساب تحالفاتها العربية والغربية .


الادارة الاميركية تريد محاصرة السياسة الايرانية الاقليمية فهل البارزاني ونجل طالباني هما اول من سيدفع ثمن ذلك ؟

من الذي سيكون الضحية التالية في المشروع الاميركي اذا ما كان موجودا حقا ؟

انقرة التي تتصلب وتتشدد في معارضتها للسياسة الاميركية الاقليمية ربما ؟

أنقرة تضع في مقدمة أهدافها إفشال قرار الاستفتاء الكردي، لكن ما يهمها أكثر هو تعطيل ما سيتلوه من  تطورات تطال مصالحها في العراق وسوريا وضمانة وضع التركمان في كركوك، وحاجتها للسوق العراقية النفطية . لكنها متخوفة من مفاجأة اخر لحظة ايرانية اميركية او اميركية روسية وتكون هي ضحية تقارب اميركي ايراني في العراق وتقارب اميركي روسي في سوريا وتخرج تركيا من العرس بلا قرص . فهل اكتشفت انقرة المخطط لذلك نراها تغازل طهران وبغداد ودمشق وموسكو وتعلن استعدادها للانفتاح على واشنطن واوروبا دفعة واحدة ؟















increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها