newsأسرار المدن

ظواهر دينية علمانية

أحمد عمرالسبت 2017/08/19
حجم الخط
مشاركة عبر

 يسكُّ المسيري هذا القانون الرائع في فحصه للعلمانية، وكان قد قسمها إلى علمانية جزئية، وعلمانية شاملة، فيقول: "الحكومات عادة علمانية، والشعوب تراحمية"، وهذا يسري على الغرب والشرق، فالمال عادة يغري بالاستهلاك، والبحث عن اللذة، والجنة في الأرض. النظم والمصفوفات العربية ليس لها جيران بالمعنى الاجتماعي، ولا أصدقاء، وإنما مصالح، السياسة قليلة الأخلاق وربما معدومتها، هذه الأيام.

 ومن غرائب علمانية العرب أنّ الرئيس المصري السيسي استنجد بالحبيب الجفري اليمني، كي يلطّف من حرارة الدين في مصر بعد تولي الإخوان السلطة، بانتخابات ديمقراطية، لا يشكُّ فيها شاكّ، ولا يرتاب فيها مرتاب، ويشد من أزره العلماني. والمصريون قلما يفعلون ذلك، إن كان في الفن، أو في الدين، فهم قوم بلغوا منزلة الاكتفاء الذاتي الفني والديني، أما قدرة التصدير الفني والديني فلا شكّ فيها. وكان كل الفنانين الوافدين إلى مصر ينطقون باللهجة المصرية (فريد الأطرش، أسمهان، صباح، أيمن زيدان، جمال سليمان..)، إلا في حالات الضرورة الفنية، كما في اسكتش "الحبيب المجهول"، وكان لجوء السيسي إلى داعية السلفية الضاحك، الحبيب الجفري، إشارة إلى أن مصر، باتت تستورد كل شيء حتى الدين!

وفي سوريا فرّ علماء الشام كلهم من بطش الأسد  ولم يمكث فيها إلا القليل، ومنهم البوطي الذي تصدر البطولة الدينية وصار "الحبيب المجهول"، وهو وافد أيضاً، وصوفي، وكردي في قلب العروبة النابذ. الشام وكل عواصم الإسلام لم تفرق بين وافد وعربي، فالمسلم مواطن، لكنه تغيّر الزمان وظلم بني الإنسان. الحكومات العربية "العلمانية" والغرب العلماني يحبّون الصوفية، فالصوف عازل جيد، فمن ذلك عشق المستشرق ماسنيون للحلاج، وبكاء الباكين على السهروردي وغيره من مدعي الألوهية. الصوفية المعاصرة تجعل "ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، أما ابن عربي فهو الحبيب المعلوم لكل الشعراء الصغار والكبار المعاصرين، هو ليس علمانيا بالمعيارين اللذين نتخذهما ميزاناً هنا، وهما معيار الاستهلاكية وفقدان المسافة بين المثير والاستجابة، فقد كان زاهداً، ينفر من الاستهلاك، الأمر أشد وأنكى: فقد كان حلولياً أكثر من جاك دريدا، لكن مقنّعاً بعبارات دينية صوفية. هناك طرق كثيرة كلها تؤدي إلى روما القديمة. هذه أوان مستطرقة يا قرة العين.

الحكومات العربية كلها، شجعت السلفية والصوفية، فهي بحاجة للدين، ولم يسبق لمجتمع أن قام بغير دين. الصوفية أفيون المسلمين. والصوفية أنواع. بعضها حادَ عن الجادة، وبعضها قاوم الاستعمار.  وكانت يوما تعني الاقتداء بالسلف الصالح فصارت  ملكية . ويمكن تذكر فتاوى شيوخ الصوفية المصرية بإباحة الزنا بالعازل. العلماني العربي، ضيق، يحبُّ القلّة، أما من اعتبر كفار قريش تياراً ثالثاً، فهو منافق، ولا ينتسب إلى الصوفية.

المسيري يرى أن التعصب الديني هو في جوهره ظاهرة علمانية، وداعش مثال، وهي ظاهرة من أكبر الظواهر العلمانية، وليس الإسلامية، الدواعش حسب شهادة صديق هارب، كانوا جوعى لأمور هي: الكولا، والهمبرغر، والنكاح، ودم المسلم المرتد .. وكلها ملذات تحسُّ بحاستين من الحواس الخمس، والحواس الخمس هي مقياس الوثنية، الوثني يرى بحواسه لا بعقله، وهي أطعمة ومشارب إمبريالية، ولم يكن الأمر يستحق من النظام السوري والإيراني افتراء فرية جهاد النكاح، وإلصاقها بالثورة السورية، فأغلب الظن أن داعش التي تتاجر بالنساء، أفضل من النظام في مسألة الأنثى، فرجال داعش العلمانيون يتزوجون ويطلقون، أما في سجون النظام، فيغتصبون ويقتلون من غير شريعة أو دستور. النظام باطني وسرّي، وداعش ظاهرية وجهرية. العالم الغربي الديجتال يحبُ السترة والكناية الرقمية في هذا الأمر، والنظام اليه أقرب. داعش مقلوب النظام.

والمسافة بين المثير والاستجابة، شبه معدومة لدى الحيوانات. ولدى كل الجماعات التي تريد تحقيق رغباتها وأهدافها بالقوة وحالاً وفوراً. داعش قررتْ دولة إسلامية الآن وفوراً، وكأنّ الدولة قلي بيضة، وقلي البيض أسهل أنواع الطبخ.

"الآن هنا" هي صفة إمبريالية. الأميركي يريد تحقيق لذته فوراً، لذلك يقتل أو يسطو. خذ النووي، أو السلاح الكيماوي، فهي أسلحة فتاكة خالية من الفروسية، أسلحة علمانية، وقد قال صحافي لبناني شيعي من غير أن يرفَّ له جفن، محاولاً إدانة الإسلام "السني" والنيل منه بأنه يكفي الإسلام عاراً أنّ داعش خرجت من معطفه، ونسي المثقف الفقيه أنّ الغرب العظيم الذي أباد الهنود إبادة تامة، وعشرات الملايين من "الزنوج"، وأسس محاكم التفتيش، وقذف اليابان بالقنابل النووية، قد خرج منه جورج بوش وكوكلس كلان، وموسوليني، وهتلر، وكاليغولا ... ونسي الحشد الشعبي، فقد باتت الفرقة الناجية في بلاد الشيعة والسنة!  أمس أهدتها السعودية 1800 بطاقة حج مكافأة لها على جهادها. أما مقتدى الصدر، الذي تصدرت صورته "التايم" قبل سنوات تغزلاً به، فقد أمسى بطلاً للسنّة والشيعة!  

المهدي المنتظر ظهر يا رجالة...

وكانت مؤسسات غربية، قد قاست دين داعش، فوجدت أن الأمراء لا يصلّون، فالدين والتقوى للجنود الصغار .

المسلم الذي يتعصب ضد المسيحي، لا يعرف دينه، ولو عرفه لما تعصب ضده، وقد لا يكون ملتزماً، ولو كان، لانصرف إلى دينه، وليست مهمة المسلم المتعصب إقامة العدل، إنما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالطرق الثلاث المعروفة، وليس التمتع بالسيادة أو أية امتيازات خاصة، وفي نهاية الأمر يصبح هو مرجع ذاته، يفتي لنفسه، وقد تفشت ظاهرة الشرعي في الكتائب السورية، وكلهم جهلاء، أرباع متعلمين، لا يفهمون سوى في صاع القمح، وباتوا يفتون بالقتل قياساً بالتاريخ، ولم يقرؤوه سوى في أوراق التقويم "الروزنامة".

ويمكن تصنيف خطف ليبيين آمنين في بيت الله الحرام، وتسليمهم إلى حفتر، انتهازية، أما إسراع بن سلمان بسرعة الضوء إلى النجف، فيمكن تصنيفها بأنها براغماتية، والبراغماتية هي مقلوب الداروينية، أو هي "داروينية الضعفاء" والقول للمسيري.

ولا نعرف سبب اتخاذ دولة تدّعي أنها تعمل بالكتاب والسنّة، إسماً مقتبساً من اسم حرب أمريكية على العراق، هو "عاصفة الحزم" من "عاصفة الصحراء"، لحربها على جارتها اليمن الشقيق، وبثت الكوليرا والفقر فيها، وهو ليس إسماً علمانياً، ولا عربي الأرومة، وخالٍ من الإسلام، وبريء من ذمة الله، وكانت إيران تسمي أسماء معاركها في العراق بأسماء مأخوذة من القرآن مثل: والفجر، والعاديات،... وهكذا ذكرتنا  تصرفات حكومة السعودية الحكيمة، بما قاله الأعرابي لزوجته، التي أهدرت الماء وضيّعت العين: لا مَاءَكِ أَبْقَيْتَ ولا حِرَكَ أنْقَيْتَ.



التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث