الأربعاء 2014/05/21

آخر تحديث: 00:18 (بيروت)

في فهم ذهنية جمهور الموالاة في سورية

الأربعاء 2014/05/21
increase حجم الخط decrease
  تمتع النظام السوري على مدار الأزمة بجمهور موال غير قليل ربما تبدل حجمه وشهد حركات مد وجزر على مدى عمر الصراع، لكن النظام ظل محتفظاً بقدر لا بأس به من الجمهور. نتحدث هنا عن جمهور لم يفارق النظام طوال فترة الأزمة ولنسمه (الجمهور الموالي الثابت)، أي لا يدخل في موضوعنا الجمهور الذي ارتد لاحقاً إلى "حضن الوطن" يأساً أو إذعاناً، هذا الجمهور الذي يحاول النظام أن يفسر ارتداده على أنه نتاج "انكشاف وهم"، وهو تفسير سخيف على أي حال، ذلك أنه لا يوجد أي وهم في الأسباب التي دفعت هؤلاء منذ ثلاث سنوات إلى إعلان رفضهم وثورتهم على النظام. 
 يمكننا أن نميز ضمن (الجمهور الموالي الثابت) للنظام السوري اليوم بين ثلاثة أصناف لكل منها ذهنيتها. 
الصنف الأول، يمكن تسميتهم "الموالون العضويون"، وهم الأقل عدداً ويشمل هذا الصنف الفئات المستفيدة مباشرة من النظام، وهم عوائل المسؤولين بدرجاتهم المختلفة، هؤلاء الذين كانوا (ولا يزالون) يعيشون بمستوى حياة مرتفع عموماً بفضل ما يكسبونه جراء شتى أشكال الفساد التي تتيح لهم اقتطاع نسب تتناسب مع مستوى "مسؤولياتهم" من الثروة الوطنية، يضاف إليهم عوائل الفئات الميسورة اقتصادياً من تجار ورجال أعمال وسماسرة ممن وطّدوا خلال مسيرة النظام علاقات تشاركية وتواطؤات مكرسة مع المسؤولين ولاسيما منهم المسؤولين الأمنيين فحققوا نوعاً من التعايش بين النشاط الاقتصادي لهم وشكل الحكم الأمني، تعايش عاش دائماً على حساب نمو البلد ورفاه أهله. 
هؤلاء هم أصحاب المصلحة الفعلية باستمرار النظام، وهؤلاء لا يحملون أي أوهام، أي إنهم مستفيدون فعليون من تركيبة حكم معينة وهم لذلك يؤيدون استمرار هذه التركيبة طالما أنها تؤمن لهم المنفعة المادية وتحميهم من المحاسبة، سواء المحاسبة وفق القانون الساري في البلد أو المحاسبة من قبل جهات معارضة تعمل على تغيير هذه التركيبة. هؤلاء موالون غير مؤدلجين في الواقع، ولا قيمة عندهم لكل خطابات النظام ولغته و"ممانعته" و"عروبته" ..الخ، إلا بقدر ما تفيد في استمرار التركيبة التي تسمح بتدفق نصيبهم من الثروة والامتيازات. إنهم الأقل وهماً واستلاباً في الوعي، وهم الأكثر قابلية لإعادة التموضع حين يتاح لهم وتطمئن قلوبهم إلى مصادر رزقهم الجديدة. 
الصنف الثاني، هم من يمكن تسميتهم "المعارضون الموالون". هؤلاء فئة غير قليلة من الناس الذين يعارضون النظام أو بالأحرى كانوا يعارضونه بصفته مستبداً وفاسداً ولاوطنياً ..الخ، وهم عموماً كانوا يعارضون النظام من اليسار. الكثير منهم دفع ثمناً لقاء موقفه من النظام يتدرج من تسميم حياته بالاستدعاءات الأمنية و"الممانعات" الأمنية لكل شؤونه، إلى حبسه، مروراً بإعاقة أعماله أو طرده من الوظيفة العامة. غير أن هؤلاء وجدوا اليوم أن النظام هو "الشر الأهون" أمام الشر الإسلامي المدعوم من الخليج ومن "الإمبريالية"، والذي يرون أنه يسيطر على الثورة السورية منذ البداية. المعارض الموالي اعتاد على الاختيار بين الشرور لأنه اعتاد على أن لا يضع في أفقه وأن لا يتكلف العمل لتنمية "خيره" الخاص. والحق أنه يشبه، من هذه الزاوية، المعارض اليساري الآخر الذي يرى في الإسلاميين "الشر الأهون". الفارق بينهما فقط هو في معايير تقييم الشرور، أما الجامع العام بينهما فهو تصورهما بأن خدمة "الخير" إنما تكون من خلال المفاضلة بين الشرور والاتكاء على "الشر الأهون"، وكأن "الخير" ينبثق تلقائياً من صراع الشرور، أو من انتصار ما يرونه "الشر الأهون".
هذا الصنف من الموالين يزايدون على الجميع في ذم النظام وتعداد أشكال فساده واستبداده، لكن مهمة القضاء على الخطر الإسلامي تؤجل بنظرهم الصراع ضد النظام باعتباره القوة الوحيدة القادرة على صد الإسلاميين. هؤلاء هامشيون سوى في نظر أنفسهم. 
الصنف الثالث، هو ما يمكن أن نسميه "الموالاة المستلبة"، وهي الكتلة البشرية التي شكلت منذ بداية الثورة وعبر تحولاتها الدرامية إلى اليوم، مادة طيعة لإعلام النظام الرسمي وغير الرسمي (نقصد بالإعلام غير الرسمي نمط، مارسه النظام طوال تاريخه، من الدعاية السوداء التي تتخذ شكل الإشاعات والكلام المهموس والأخبار التي تتخذ شكل التسريبات التي لها وسط البيئة الموالية مفعول أقوى من الإعلام الرسمي). هذا الصنف من الموالين هو الأهم ليس فقط لأنه يشكل الحجم الأكبر بشرياً، بل أيضاً لأنه مستلب الوعي. يستقر في أذهانهم أنهم المستهدفون من وراء الحديث عن "إسقاط النظام"، وأن الكلام عن "الحرية" و"الكرامة" هي عملية تغطية فما بالك بالكلام عن تحكيم الشريعة وباللغة "القاعدية" التي دخلت على خط الثورة لاحقاً. غالبية هؤلاء من الأقليات المذهبية التي لا تجد لها مكاناً في متن حركات الإسلام السياسي السنية الطابع.  
من هذا الصنف من الموالين المعبئين بخوف طائفي يخرج معظم الشباب الذين يدافعون عن النظام بدمائهم. هؤلاء هم الأشقياء الذين يدافعون بدمائهم عن شقائهم بفعل وعي مشوه يصور لهم أن الشقاء الحالي "أهون" من الشقاء الذي يمكن أن ينتظرهم لو "سقط النظام". أيضاً هؤلاء يعون حياتهم على أنها اختيار بين شقاء وشقاء، بعد أن بددت سنوات الاستبداد المزمن حلمهم بالنعيم. 
من النادر أن تجد اليوم من يدافع عن النظام معزولاً عن صراعه مع "الإسلاميين" المدعومين من الخارج، الغالبية العظمى من الموالين يقرون بفساد النظام واستبداده. أي يتحدد الجمهور الموالي في سوريا اليوم بالسلب أكثر مما يتحدد بالإيجاب. يتحدد فيما يرفض أكثر مما يتحدد فيما يقبل. إنه في الحقيقة يتحدد بعدائه أكثر مما يتحدد بولائه، خيمة ولائه مسنودة بدعامة من العداء. الموالي لا يريد "حكماً إسلامياً" يلوح في الأفق فيما لو سقط النظام. يمكن القول إن الموالي لا يوالي النظام الحالي و لكنه لا يريد سقوطه في الوقت نفسه. إنه يوالي نظاماً لا يواليه في الواقع. كلما تراجعت حدة الصراع مع الإسلاميين، سوف يرتسم أكثر خط التمايز المكبوت حالياً ضمن كتلة الموالاة. من اللافت أن نقرأ مثلاً على صفحة موالية الكلام الساخر التالي: (نبارك لمدينة اللاذقية عودة أبنائها (البررة) من أبناء المسؤولين والمتنفذين وكبار الضباط والتجّار (تجّار ما قبل الأزمة وأثناءها) وذلك بعد إمضائهم لفترة (خدمة العلم) في بارات بيروت ودبي, حيث تم (إيفادهم) إلى هناك حفاظاً على صحّتهم النفسية وضماناً لسلامتهم الشخصية كونهم من (ثروات) البلاد وأعمدتها للمستقبل). 
https://www.facebook.com/lattakia.news.network 
ومن اللافت أن هذا الكلام اللاذع حاز على أكبر عدد من المشاركات ومن الإعجابات والتعليقات المؤيدة.
لا يوحد الموالين ذهنية واحدة، ومن المنطقي أن تستيقظ خطوط الانقسام النائمة حالياً ولاسيما أن هذه الخطوط مخصبة بالكثير من الدماء. 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب