الأربعاء 2013/04/17

آخر تحديث: 06:30 (بيروت)

إنها المخيمات يا رفاق!

الأربعاء 2013/04/17
increase حجم الخط decrease
لا أعرف إن كان متوقعاً أن تتخذ الفصائل اليسارية في منظمة التحرير الفلسطينية موقفها المؤيد للنظام السوري، هذه الفصائل التي لطالما حكت لشبيبتها وكوادرها عن الثورات وحريات الشعوب وحقها في تقرير مصيرها وأنه ما نناضل من أجله كفلسطينيين وأننا كيسار في الطليعة من كل ذلك.. الخ.
لا أعرف إن كان ذلك متوقعاً لأمرين: أولهما أن الأحزاب هذه، وتحديداً «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، كونها الأكبر من بينها والأكثر تأثيراً، تتخذ موقفاً متوافقاً تماماً مع مواقف غالبية الأحزاب الشيوعية في هذا العالم، أو لأحدّد أكثر الأحزاب الرسمية التي لا تزال تسبّح بحمد ستالين، أو لأقُل الأحزاب المتأثرة بالتجربة السوفياتية (الروسية والأوروبية - الشرقية) والتابعة لها، بعيداً من يسار أوروبي عريق، في إيطاليا وفرنسا مثلاً.
والأمر الثاني، الذي قد يأتي بنتيجة تناقض سابقتها، فهو أن لقيادات هذه الأحزاب وكوادرها أهل يموتون تحت القصف ويذبحون بأيدي النظام السوري، عدا عن حصار مخيماتها الممتد لشهور، والاعتقال والتعذيب وغيره مما يلقاه أساساً السوري ابن البلد، فتنحاز هذه الفصائل إلى أهلها وناسها.
قد يكون التساؤل عن الكفة التي ستميل أو تنحاز إليها تلك الفصائل مشروعاً ومبرّراً خلال السنة الأولى من الثورة، أو قبل حوالى ستة أشهر من الآن، إلى أن بدأت تظهر عوارض التأييد أواسط السنة الماضية عبر شبيبة هذه الأحزاب على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يوحي بأن موقفاً محدداً بدأت تتخذه هذه التنظيمات في أطرها الداخلية من دون أن تخرق حالة الحذر والارتقاب التي تتميّز بها، ثم عبر مقالات تروّج لرواية التلفزيون السوري الرسمي وقناة "الدنيا" في طرح الأحداث، وأخرى تتبنى موقف النظام السوري من هذه الأحداث. مقالات كفاحية متخمة بالعنفوان الثوري كالتي ينشرها موقع «الشعبية» على الإنترنت مثلاً. ثم، وفي الأشهر الأخيرة، ظهرت تصريحات واضحة ومباشرة تصل إلى حد الوقاحة، مكتوبة ومسجّلة، لقيادات من هذه التنظيمات وتحديداً «تاج اليسار».
إذاً، انحازت هذه الفصائل أولاً إلى تراثها السوفياتي، ما يستحضر في الذاكرة تلك المواقف المؤيّدة لميلوسوفيتش في جرائمه، وقبله ستالين الذي قتل الملايين ليبني اشتراكيته، أو تأييد أي من الأنظمة الشيوعية التي بُنيت على القمع والقتل. الآن عرفت أن ذلك ما كان صدفة سيئة الحظ بل منهجاً تلقائياً.
إضافة إلى تراثها السوفياتي، انحازت إلى الأصولية الشيوعية التي يحز في نفسها - فلا تتقبّل - أن تكون محض متفرّجة على ثورة تنطلق عفوية شعبية من دون حزب ثوري (يكون حتماً الحزب الشيوعي) أو نظرية ثورية (تكون حتماً الماركسية اللينينية) أو قائد ثوري (يكون حتماً الأمين العام المناضل الخالد).
ثم انحازت أخيراً إلى مواقف الأحزاب الشيوعية السورية، والممثلة شكلياً في «الجبهة التقدمية» التي يقودها حزب البعث العربي (الاشتراكي في كل الأحوال)، شريكة النظام في جرائمه سياسياً وإعلامياً وطبعاً فلسفياً.
أنا ابن هذه المخيمات، وكنت ابناً للفصيل اليساري الرئيسي. اليوم أعرف أكثر من أي وقت سابق أن «الشعبية» انحازت إلى ذلك كله. لكني أعرف أكثر أنها انحازت، فوق ذلك، إلى نظام يقتل، كما السوريين، الفلسطينيين في المخيمات ويقصفهم ويقنصهم ويحاصرهم ويخطف أبناءهم وبناتهم ويُعدمهم تحت التعذيب. قد يجد أي يسار في هذا العالم أسبابه في تأييد النظام القاتل، قد يرتكز إلى سلسلة طويلة من الأنظمة «الاشتراكية» الصديقة والقاتلة. لكن المسألة مع فصائل اليسار الفلسطيني ليست كغيرها، لا نتكلّم هنا عن مواقف أيديولوجية تبرّر القتل، أو إنسانية ترفضه، بل عن هوية المقتول، هوية القاتل، وعن التاريخ والحاضر المدمّى بينهما.
نتكلّم عن المخيمات يا رفاق.
 
increase حجم الخط decrease