الثلاثاء 2013/03/26

آخر تحديث: 13:43 (بيروت)

هل جاءت في ميقاتها؟

الثلاثاء 2013/03/26
increase حجم الخط decrease
  بحثت عن قراءة صحيحة لسطور الارتياح التي عَلَتْ قسمات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أثناء إعلان الاستقالة، وللحالة التي بدا عليها حلفاؤه من الوزراء وفريق عمله المقرب اذ تبادل معهم قبلات التهنئة،كأنهم في حالة دخول لا خروج فوجدت الجواب في قول ابن الجوزي : " من قنع طاب عيشه  ومن طمع طال طيشه " ووجدته ايضاَ في المرآة إذ قرأت في وجهي سطور الارتياح ذاتها، وعدت الى سريرتي فوجدتها في حالة انشراح بعد طول انقباض.
بعد وقت قليل، اتصلت بدولته، وقلت له عبارة واحدة "استفتِ قلبك وإن أفْتَوْك"، لإنني شعرت ان ما احسستُ به من بريق أمل، قد سرى في مشاعر أغلب الشعب اللبناني، لإن الدولة، "بشعبها،وجيشها ومقاومتها" كانت تعاني من خرَّاج تفاقم التهابه بحيث بات يهدد الجسد بالتسمم، فكانت الاستقالة مبضع جراح فتح ذلك الخراج كإجراء لا بد منه لتجنب انفجاره وتفشي قيحه وقذاه في سائر الاعضاء.
كَثُرَ التحليل في هذه المثابة، وأَعتقدُ أَن بعضه ضلَّ وأكثره وقع في شرك المساجلة والمساءلة والملامة، في حين أننا نمرّ في أخطر المنعطفات على طريق وعرة تفحَّ الأفاعي في حواشيها، فليس الوقت صالحاً للسؤال عما أخَّره عن فعلته، او عن محاسبته  على قبول التكليف في الأصل، وليس من الحق والعدل ان يعيره فريق آخر "بالدعسة الناقصة" والإنصات الى نصائح السفارات، والعشاء مع السفيرات...
حيال هذا نغمض العيون -مؤقتاً- عن كل ما سبق، وننظر الى اللحظة السياسية الراهنة التي خلقتها الاستقالة لكي نستخلص بعض النتائج التي لا بد من تعامل المجتمع السياسي معها بالجدية اللازمة:
أولاً: إن الحكومة المستقيلة قد تشكلت بعد انقلاب داخلي تجاوب مع  ميزان قوى إقليمي أطاح بالسين سين.
ثانياً: إن التطورات الاقليمية التي رافقت التشكيل قد أحبطت وِتْرَ الانقلاب وحالت الى حد كبير دون تحقيق كامل وَطَره.
ثالثاً: إن المزاج الدولي قد تحرك بصورة واضحة بعكس هبوب رياحه الأولى في فترتي التأليف والتكليف.
رابعاً: إن الاحتقان الداخلي قد وصل الى ذرى يصعب معه- اذا انفجر- لجم آليات حروب اهلية جاهزة للامتداد سورياً وعراقياً وطائفياً ومذهبياً..
خامساً: إن وظيفة رئيس الحكومة الامساك بمقود العربة لا بمكابحها وهذا يعني انه لا يمكن له ان يسير وفق ما يشتهي الركاب أو ما لا تطيقه الدروب.
بعد التبصر بهذه النتائج فان العبرة تقتضي التعامل مع حقائق سياسية جديدة ياتي على رأسها أن الأفرقاء سيلتقون- رغماً عنهم- للتفاهم حول مسائل التمديد "التقني" لمجلس النواب، والتفاهم على شكل الحكومة، وهذا يفضي إلى إنهاء حالة العزل السياسي غير المبرر الذي مارسه الانقلاب ضد من فاز في الانتخابات بعد أن ثُقِبَ دفّ الأكثرية، وتفرق عشاقه، وبات من المِلُحِّ  البحث عن أكثرية من نوع جديد" تصون ولا تبدد ... تحمي ولا تهدد"، يتواصل فيها الخصوم، بعدما اثبت لهم التاريخ والتجارب، ولا سيما تجربة الحكومة الراحلة، أن أحداً من أطراف الداخل لن يستطيع أن يفرض إرادته على الدولة منفرداً، مهما تكدس سلاحه، ومهما كان بأس حلفاء الخارج، فهذا أمر لجأنا اليه كلنا، وعدنا منه خائبين.
ظروفنا الصعبة التي تعصف بنا، ذكرتني بفليم أمريكي من الستينات، من تأليف الكاتب اليوناني الكبير "كازانتزاكيس" وإخراج  اليوناني ايضاً "كوكويانس" اسمه "عندما يخرج السمك من الماء" يدور حول طائرة تابعة للحلف الأطلسي محملة بقنابل هيدروجينية، سقطت في البحر قريباً من السواحل اليونانية، وعندما بدأ السمك يخرج ميتاً من آثار الاشعاع، هرعت فرق الانقاذ لإخلاء المنتجعات من نزلائها، وراح المذيع يصيح من اعلى الصوت " إيها السادة انتبهوا... أيها السادة انتبهوا" ولكن الموسيقا الصاخبة كانت أعلى من صوته، فظل القوم يرقصون على الشواطىء التي  يزحف الموت اليها.
 
أيها السادة انتبهوا، فقد أتت الاستقالة في ميقاتها –وإن تأخرت- لانه مازالت هناك فسحة ننقذ فيها انفسنا من الرقص فوق الهيدروجين.
 
increase حجم الخط decrease