منذ الأيام الأولى للثورة السورية بقيت داريا تخط سيرة تفردها دون ضجيج. متظاهرون يحملون الورود وأجراس كنائس تقرع تختلط بأصوات التكبير في الجوامع أثناء مرور جنازات الشهداء. معتقلون دافعوا عن سلمية الثورة مازالوا في السجون، بينما أيقونة شهداء الثورة غياث مطر ورفاقه يكتسبون يوماً بعد آخر بعداً رمزياً جديداً في الثورة السورية. ونصيبها من المجازر لم يكن قليلاً، مجزرتها الشهيرة منحتها القبر الجماعي الأكبر في كل المدن السورية، وصمودها الأسطوري منذ أربعة أشهر ومازالت عصية على الاقتحام، ولا ننسى جريدتها "عنب بلدي " التي يحرّرها شباب من الحراك السلمي والتي بدأت تكتسب قيمة كبيرة في أدبيات الثورة، كل هذه الرموز جعلت من داريا رمزاً يحن إليه أنصار الثورة السلمية خاصة.
في الأسابيع الأخيرة عادت داريا إلى الواجهة عبر إعادة إنتاج شكل الثورة السورية المشتهاة، مجلس محلي منظم، يعرف كيف يدير شؤون بلدته دون أي تبجح أوبيانات نارية. العدالة والروح السورية في العيش المشترك الدليل الذي لا يحتاج إلى أي إثبات، وجيش حر يدافع عن المدينة حتى آخر قطرة دم بصمت كما يقتضي بالشهداء المقبلين.
ورغم ذلك بقيت داريا مع رفيقاتها من المدن السورية لا ترفع شكواها إلا إلى الله، صامتة لا تبوح بأسرار مساومتها على بهائها من أطراف تريد اقتسام جلد الدب قبل اصطياده. والمشكلة في أن المساومة لم تأت من قبل أنصار النظام أو النظام ذاته، بل من أطراف أساسية في المعارضة السورية.
صمتت داريا ومازالت تعمل بصمت مع رفيقاتها اللواتي يشبهنها من المدن السورية التي مازالت ترفض بيع الثورة. تدفن الشهداء وتزرع الورد على حواف قبورهم، ينظف شبانها المدينة، وتوزع الحصص بالتساوي على المحتاجين من أهلها وسكانها يقومون بواجبهم بالتساوي كل حسب قدرته وطاقته، ويمارسون حقوقهم في الانتخاب والترشح بالتساوي.
ماذا لو تكلم شهداء داريا السلميين كل ما يعرفونه عن الابتزاز الذي تعرضوا له من قبل فصائل رئيسية في الثورة؟ ماذا لو نهض الشهداء وتكلموا وآخرهم الشهيد أحمد شحادة ابن أسرة جريدة "عنب بلدي" الذي انتظر مع رفاقه نصراً تأخر كثيراً؟ ماذا لو تكلموا بكل ما يعرفونه؟
هل تتوقعون حجم الفضائح التي من الممكن أن تغير صفات أناس معارضين جالسين في الصفوف الأولى من الثورة من مناضلين إلى خونة، وهذا أقل ما يمكن أن يقال.
ماذا لو خرجت داريا عن صمتها وتكلمت؟