الإثنين 2025/06/09

آخر تحديث: 18:51 (بيروت)

"مادلين": هكذا أدارت إسرائيل الحملة التضليلية

الإثنين 2025/06/09
"مادلين": هكذا أدارت إسرائيل الحملة التضليلية
سفينة كسر الحصار عن غزة
increase حجم الخط decrease
استنفرت إسرائيل دعايتها وحملتها الإعلامية كما لو أنها معركة بحد ذاتها، وتحديداً منذ اللحظة الأولى لانطلاق سفينة "مادلين" من إيطاليا باتجاه غزة لكسر الحصار عنها، مروراً باعتراضها من قوات الكوماندوس البحري الإسرائيلية "شايطيت 13" فجر الاثنين، واعتقال 12 ناشطاً كانوا على متنها، تمهيداً لترحيلهم إلى بلدانهم بعد استجوابهم.

"تسخيف سفينة مادلين"
وهدفت إسرائيل من دعايتها إلى محاصرة وتسخيف الصورة التي أراد الناشطون إخراجها، وهي إحراج إسرائيل وتشديد الضغط الدولي عليها بسبب ما تفعله في غزة من حصار وتجويع وتقتيل، فعمدت منذ الوهلة الأولى إلى تفريغ المبادرة الإنسانية من مضمونها، عبر شيطنة القائمين عليها، سواء بوصفهم "يساريين راديكاليين" أو "معادين للسامية".

وما عكس ذلك، أن قيادة جيش الاحتلال حصرت منذ البداية هدف الناشطين الذين قادوا السفينة، في إطار "إعلامي لتوبيخ اسرائيل وتشديد الانتقادات الدولية اتجاهها"، وهو أمر أكده المراسل العسكرية لتلفزيون "مكان" العبري في إفادتها الصباحية، أي أن تل أبيب استعدت لإفشال هذا الجهد وتقليل مستوى الضجة التي كان بإمكان سفينة كسر الحصار أن تُحدثها بشكل أكبر، وأيضاً لإظهار المبادرة في صورة "الفشل"؛ لمنع آخرين من محاكاتها لاحقا. وبالتالي، حرصت إسرائيل على منع بروز مشهدية من سفينة "مادلين"، من شأنها أن تعلي صوت الانتقادات الدولية تجاهها، خصوصا أنها جاءت في خضم تصاعد الأصوات الأوروبية الرسمية التي تنتقد استمرار حرب الإبادة في غزة.

"سفينة السيلفي.. والمشاهير"
وضمن محاولات تفريغ مبادرة سفينة "مادلين" من مضمونها، راحت إسرائيل إلى تسميتها بـ"سفينة السيلفي" و"يخت المؤثرين والمشاهير"، أي اتهام الناشطين القائمين عليها بـ"الاستعراض الإعلامي" والبحث عن "الشُّهرة"؛ علّها تنجح في هذه الأوصاف في تسخف الهدف الإنساني والرمزي للمبادرة التي أرادت لفت انتباه العالم إلى ما يقوم به الاحتلال من إبادة شاملة في غزة. كما عمدت الماكينة الدعاية العبرية إلى النشر بشكل مكثف عن أن كمية المساعدات التي جلبها النشطاء في السفينة "رمزية قليلة جدا"، وذلك للتشكيك في نوايا ودوافع النشطاء.

صورة مضادة.. للتضليل
وفي سياق ذلك، حاولت الدولة العبرية خلق صورة مضادة تظهر جنود الكوماندوس الإسرائيلي وهم يوزعون الخبز والماء على الناشطين في سفينة "مادلين" فور اقتحامها؛ لتضليل العالم بشأن الصورة الحقيقية لعنجهية الجندي الإسرائيلية وعنتريته في عموم المنطقة، وإخراجه بصورة "جندي متزن ومنضبط.. في مقابل الاستفزاز". ونسي الاعلام العبري أن هذا التعامل "اللين" أمام الكاميرات جاء أيضاً بحكم الاضطرار، نظرا لجنسية الناشطين، ولو كانت جنسيتهم عربية وفلسطينية، لكان التعامل العسكري الإسرائيلي مختلفا تماماً. 

وهنا، نشرت الصحافة العبرية صورة للناشطة السويدية غريتا تونبرغ، التي وسمها وزير الأمن بالـ"يسارية الراديكالية"، تظهر فيها مبتسمة أثناء حصولها على شطيرة "جبنة"، رغم وصفها من الإعلام العبري بأنها معروفة بـ"نباتية صارمة"، أي لا تأكل شيئاً من مشتقات الحيوانات.
والمثير للسخرية أيضاً هو ما نشرته الصحف العبرية بشأن اعتبار الجيش الإسرائيلي صورة غريتا المبتسمة أثناء حصولها على شطيرة من جندي إسرائيلي، بمثابة "رسالة استراتيجية"!

الخارجية للبيانات.. والجيش للصورة
بينما فاخرت "معاريف" وصحف أخرى "في ما وصفته "نجاح إدارة" إسرائيل للحملة الإعلامية بشكل جيد واستباقي هذه المرة، مشيرة إلى أنه تم الاتفاق رسمياً بإدارة المعركة الإعلامية من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية، وليس الجيش. ورأى محللون إسرائيليون أن الأمر الذي مكّن الدعاية الإسرائيلية من محاصرة الضرر الإعلامي، هو نجاح وحدة الكوماندوس البحري الإسرائيلية في السيطرة على السفينة المتجهة إلى غزة، بشكل "آمن" ودون إصابات. وهنا، حرص الاحتلال على نشر صورة النشطاء وهم "يرفعون أيديهم"، مع تعليقات إعلامية أشارت إلى "استسلامهم دون مقاومة".

كما أقرت أقلام عبرية بأن إسرائيل صنفت في خلف الكواليس، سفينة "مادلين" كـ"حيلة إعلامية" استدعت قيادة منظومة إعلام مدنية منسقة في إسرائيل، لدرجة أن وسائل إعلام عبرية قالت إنه من أجل ذلك جاء "القرار الاستراتيجي" الإسرائيلي لعرض السيطرة على السفينة كحدث مدني وليس عسكري. 

موظف بالخارجية.. في غرفة المتحدث العسكري
وضمن الحملة الإعلامية، تولت وزارة الخارجية توضيح الحدث بالبيانات، بينما تركزت مهمة الجيش الإعلامية بـ"نشر الصور الدعائية". وفي سبيل إدارة الحملة، عكف موظف من وزارة الخارجية الإسرائيلية على التواجد في غرفة عمليات المتحدث العسكري طيلة ما وُصفت بـ"المعركة الإعلامية" الخاصة بالتعامل مع سفينة "مادلين"، حيث واظب على استلام المواد الإعلامية (مقاطع فيديو وصور وبيانات) ونشرها فوراً في "الوقت الحقيقي" وبلا تأخير، ثم استقبالها بسرعة في غرف الأخبار الكُبرى، وفق مزاعم الإعلام العبري الذي أدى دور "المُفاخر" بالأداء الإعلامي الإسرائيلي الرسمي.

في حين، أمر وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس بعرض ما وصفه "فيلم العرب من 7 أكتوبر" على النشطاء المحتجزين، وهي منهجية إسرائيلية معروفة خلال الحرب لخلق "مظلومية إسرائيلية" مزعومة؛ لشرعنة إبادة وذبح الفلسطينيين دون سماع أي كلمة انتقاد او تعاطف من العالم.

صحافيون محرضون أيضاً!
ودخل صحافيون إسرائيليون على خط التحريض على النشطاء أيضاً، بينهم ألموغ بوكير الذي كتب منشورا تحريضيا ضد الناشطة غريتا، مضمونه "اختُطِفت؟!.. غريتا التي ادعت أنها اختُطِفت على يد قواتنا، تبدو في الواقع سعيدة للغاية بالشطيرة التي حصلت عليها من مقاتلي وحدة شايطيت 13، هي معادية للسامية، وليس لديها خجل حتى في استخدام كلمة (مختطَفة)، بينما مختطفونا يعانون في جحيم حماس ويأكلون قطعة خبز واحدة في اليوم. هل ترغبين في التبادل معهم؟".

كما نشر الإعلامي البريطاني بيرس مورغان، المعروف بدعمه لإسرائيل، فيديو تظهر فيه غريتا تونبرغ وهي تشتكي من أنها "اختُطفت"، وكتب تغريدة: "يا له من هراء، أنت نرجسية عطشى للاهتمام. يا له من إهانة للرهائن الإسرائيليين الحقيقيين في غزة، هذه الخدعة الغبية هي كلها من غرورك".

والحال أن ما يستفز إسرائيل في هكذا مبادرات وتعاطف مع غزة والفلسطينيين عموما، هو أن يقوم عليها أوروبيين وغربيون؛ لأنهم بذلك يشاركون في فضح صورة جرائم الاحتلال في وقت تعالت أصوات زعماء العالم الداعية إلى وقف تل أبيب لممارساتها غير القانونية في القطاع.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها