عادت قناة "الإخبارية السورية" إلى البث، الاثنين، كما وعد وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى، بعد أكثر من أربعة أشهر على توقفها إثر سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
والقناة التي ارتبطت ببروباغندا نظام الأسد ودعايته السامة ضد السوريين، ظهرت هذه المرة بصورة جديدة، تقنية وبصرية وسردية، في محاولة واضحة لإعادة تشكيل خطاب الإعلام الرسمي في سوريا ما بعد الأسد.
وبدأ البث التمهيدي للقناة بمقطع ترويجي مدته دقيقتان، افتتح بلقطة بانورامية من ساحة الأمويين مع موسيقى تصويرية قلقة، قبل أن تنتقل الكاميرا إلى داخل مبنى "الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون" لتصبح الموسيقا أكثر هدوءاً قبل أن تأخذ المشاهد في جولة ديناميكية داخل أروقة المبنى الذي كان لعقود أقرب لفرع مخابرات منه إلى مقر للتلفزيون الرسمي.
وعبر الممرات تجولت الكاميرا داخل أروقة القناة وغرف التحرير والاستوديوهات وغرف التحكم والإخراج، مستعرضةً وجوه العاملين الجدد في القناة، ابتداءً من المدير العام للتلفزيون السوري علاء برسيلو، مروراً بمدير "الإخبارية" جميل سرور، ومدير التحرير باني فرعون، وصولاً إلى الفنيين، والمحررين، ومقدمي البرامج ونشرات الأخبار.
وبرزت في العرض أسماء إعلاميين مثل المذيعتين نادية كامل وهبة مسالمة، والمذيع عبادة حيدري، إضافة إلى مدير الإدارة التقنية عبد القادر النجم، ونائب مدير الأخبار مروان سالم، ومسؤول البرامج عمرو فرعون، وغيرهم من إعلاميين قالوا جملاً موجزة للكاميرا، في مشهد جماعي بدا كأنه "قسم رمزي" جماعي، يُعلن التزامهم المهني ببداية جديدة، ويشكّل مدخلاً وجدانياً لانطلاقة القناة.
وبدت الهوية البصرية متجددة، مع استوديوهات ذات تصميم عصري، وإضاءة ديناميكية، وواجهة عرض متطورة تعمل بتقنية البث عالي الدقة (HD)، مع محاولة لإيصال رسالة ضمنية بشأن انفتاح القناة على جمهور جديد، ورغبة في إعادة بناء الثقة مع المشاهدين.
بعدها، انطلقت أولى حلقات برنامج "جولة المراسلين" مع المذيع عبادة حيدري، الذي قدم من داخل الاستوديو في دمشق، مع مداخلات مباشرة من مراسلين موزعين في مختلف المحافظات السورية، من حلب إلى درعا، ومن دير الزور إلى طرطوس وإدلب ودرعا.
ولعل أبرز ملامح انطلاقة القناة كان الحضور الواسع للوجوه الشابة، سواء في تقديم البرامج أو قراءة الأخبار أو التغطية الميدانية. وهو تحول لم يكن مألوفاً في الإعلام الرسمي سابقاً، الذي اعتاد على مجموعة محدودة من المذيعين والمراسلين الذين لا يتغيرون طوال عقود، مع تبني خطاب خشبي زاد سوءاً بعد ثورة العام 2011.
وربما يبعث التغيير في الوجوه أملاً بتحول في الأداء والخطاب الإعلامي، ويعزز وعود وزارة الإعلام بإرساء حرية إعلامية جديدة، لكن لا يمكن تجاهل حالة الارتباك التي بدت واضحة على بعض المذيعين والمراسلين الجدد، وكأن فريق العمل لم يحظ بالوقت الكافي للتدريب أو التمرين على الظهور أمام الكاميرا، خصوصاً من قبل أفراد بدوا وكأنهم يخوضون تجربتهم الأولى في الإعلام.
يبقى ذلك أمراً طبيعياً في مرحلة انتقالية تبنى فيها فرق مهنية جديدة من الصفر، ويعول فيها على الزمن والخبرة لصقل الأداء، ولا يقلل هذا الارتباك من قيمة التجربة، بل يعكس الحاجة إلى تطوير تدريجي، ضمن بنية مهنية واضحة.
وكان العنصر النسائي حاضراً، في الشاشة وخلف الكواليس، حيث شاركت انطلاقة القناة مقدمة لبرنامج حواري، ومذيعة أخبار، إلى جانب مراسلتين ميدانيتين، إضافة إلى عدد من النساء العاملات في أقسام تحرير الأخبار والإنتاج الفني، ما يعكس توجهاً واضحاً نحو إشراك المرأة في البيئة الإعلامية الجديدة التي بدأت بالتشكل بعد سقوط نظام الأسد، ومنهم محجبات وغير محجبات.
واستضافت المذيعة نادية كامل، الناشط الإعلامي والناطق الرسمي السابق باسم الحكومة المؤقتة محمد الفيصل، الذي وصف لحظة دخوله مبنى التلفزيون عقب سقوط النظام بأنها "عاطفية"، واستذكر زملاءه الصحافيين الذين قتلوا أثناء تغطيتهم لقصف النظام، معتبراً أن "عودة الإخبارية هي انتصار معنوي لحرية التعبير، واعتراف ضمني بتضحيات الإعلاميين الذين دفعوا حياتهم ثمناً الكلمة الصادقة".
وهنأ مدير القناة جميل سرور خلال البث "جميع السوريين والعاملين في القناة على انطلاقة الإخبارية السورية"، مؤكداً أن عملية إعادة الإطلاق استغرقت ثلاثة أشهر فقط، رغم أن تجهيز قناة بهذا الحجم عادةً ما يتطلب سنة كاملة.
وأوضح سرور أن القناة في صيغتها الجديدة ستركز على "مواكبة كل الأحداث الجارية في سوريا من منظور وطني، وستقدم مجموعة من النشرات والبرامج السياسية والاقتصادية والمعيشية، مع اهتمام خاص بمنصات السوشال ميديا التي كانت مهمشة في عهد النظام البائد".
وتخلل البث الأول أيضاً تقرير مصور استعرض أبرز إنجازات وزارة الإعلام منذ سقوط نظام الأسد، وأضاء على سلسلة من الخطوات التنظيمية والتقنية التي نفذتها الوزارة بهدف إعادة هيكلة الإعلام الرسمي، وإطلاق مؤسسات جديدة تتماشى مع متطلبات المرحلة الانتقالية.
وشمل ذلك، إطلاق "الإخبارية" بحلتها الجديدة، وإعادة تفعيل وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، وإعادة تأهيل مبنى جريدة "الفداء" في حماة، وتشغيل "إذاعة دمشق" من جديد، ودمج وتحديث عدد من المؤسسات الإعلامية السابقة ضمن إطار "الإعلام الوطني الجامع"، بما يعكس رؤية أكثر تكاملًا وانفتاحاً للمشهد الإعلامي السوري.
إلى ذلك، أعلنت الوزارة أنها تعاملت منذ "التحرير حتى شهر آذار/مارس الماضي" مع أكثر من 3600 طلب صحافي، ومنحت نحو 2100 تصريح عمل صحافي، إضافة إلى استقبالها 161 طلباً لافتتاح مؤسسات إعلامية خاصة. وأعلنت أيضاً التزامها بـ"إرساء حرية الصحافة، وحماية الصحافيين، إلى جانب تنظيم دورات تدريبية ومهنية لتمكين الإعلاميين وتطوير أداء المؤسسات الرسمية".
وبثت القناة لاحقاً مقابلة مسجلة مع وزير الإعلام حمزة المصطفى، تحدث فيها عن دور الإعلام في المرحلة الانتقالية، مؤكداً أن الوزارة تنظر "بعين الانفتاح والتقدير لدور وسائل الإعلام"، وأن دمشق يجب أن تصبح "مركزاً لوسائل الإعلام الحرة والمستقلة".
وأشار المصطفى إلى وجود خطط لإطلاق "مجموعة من وسائل الإعلام، من بينها صحف وإذاعات"، كما تحدث عن إعادة تفعيل وكالة "سانا" بهيكلية جديدة.، مشدداً على ضرورة أن يكون "الإعلام وطنياً، يخدم مشروع الدولة، ويبتعد عن خطاب الكراهية"، من دون توضيح إضافي لمعنى الوطنية ومن يحددها.
وأضاف المصطفى أن "التحول الرقمي ضروري، لكن الإعلام التقليدي مازال مؤثراً"، داعياً إلى "محتوى يتوافق مع الجيل الجديد"، معتبراً أن حرية العمل الصحافي "مكفولة في سوريا".
ولعل أبرز ما أشار إليه المصطفى هو "غياب مدونة لأخلاقيات المهنة الصحافية في سوريا"، على غرار ما هو معمول به في بريطانيا مثلاً، معرباً عن نية الوزارة العمل على وضع معايير مهنية تعالج الحالات الإعلامية بشفافية.
وختم بقوله: "نحتاج إلى أن نجمع بين الحرية والمسؤولية. الكلمة مثل الرصاصة، وعليها أن تُستخدم بمسؤولية في هذه المرحلة الحساسة".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها