وتحدثت الصحيفة، في تقرير مفصل، عن وصول بولس إلى قاعدة "جوانت أندروز" الجوية مطلع نيسان/أبريل الماضي بصفته أحدث مسؤول في إدارة ترامب مكلّف بملف السياسات الأميركية في أفريقيا. وكان من المفترض أن تكون هذه زيارته الرسمية الأولى إلى القارة، إلا أنه بقي في المطار ينتظر، ثم انتظر، من دون جدوى. وبعد ساعات من الانتظار، أُبلغ الوفد بأن الرحلة لن تقلع، لأن الحكومة لن تمول استخدام طائرة عسكرية أميركية لنقلهم إلى وسط أفريقيا. حينها، اتصلت سوزي وايلز، كبيرة موظفي الرئيس ترامب، ببولس شخصياً لتبلغه أنه لا يملك صلاحية استخدام طائرة حكومية، وأن عليه إلغاء زيارة أنغولا من جولته متعددة المحطات، والسفر عبر رحلة تجارية في اليوم التالي.
محاولة متعثرة لترسيخ النفوذ
وكان بولس، الذي انضم إلى الفريق الانتقالي للرئيس ترامب، قد لمّح منذ البداية إلى أنه سيلعب دوراً محورياً في رسم سياسة الإدارة الخارجية. لكن حادثة الطائرة، التي رواها ثلاثة أشخاص مطّلعين على تفاصيلها، تظهر كيف أن محاولاته لترسيخ نفوذه داخل الإدارة بدأت متعثرة منذ البداية، رغم نجاحات غير متوقعة حققها لاحقاً. وتكشف سمعة بولس جانباً من طبيعة القوة داخل دائرة ترامب المقربة: فرغم أن الروابط العائلية تحظى بتقدير الرئيس، فإن لهذا التقدير حدوداً واضحة، حسبما أوردت الصحيفة.
ألقاب بلا صلاحيات
وتحدثت "بوليتيكو" مع عشرة أشخاص على دراية بتعاملات بولس داخل الإدارة، وطلبوا جميعاً عدم كشف هوياتهم للحديث بحرية، وجميعهم وصفوا بولس كرجل حاز ألقاباً رسمية من دون صلاحيات واضحة، وتم إبعاده عن النقاشات الجوهرية، أو استُدعي إليها بعدما كانت القرارات قد اتخذت.. كما أشار أربعة منهم إلى أن شعور بالإحباط في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، جراء تحركاته المنفردة، مما ساهم في توتر علاقاته داخل الإدارة. كما أوضح بعض هؤلاء أن بولس ضخّم صلاحياته، ووزع بطاقات تعريف تشير إلى مناصب لا يشغلها رسمياً، ولم يبلغ الوزارة بلقاءات حساسة، وغالباً ما أعطى انطباعاً خاطئاً عن طبيعة مهامه. وأثارت تقارير حول تضخيم بولس لثروته وحجم استثماراته قبل توليه المنصب، مزيداً من الشكوك، بحسب أحد المصادر.
"تجاوز صلاحياته"
وتم تعيين بولس مستشاراً أول لشؤون الشرق الأوسط خلال الفترة الانتقالية، وبدأ بعقد اجتماعات غير رسمية مع مسؤولين لبنانيين ودبلوماسيين آخرين، إلا أن مسؤولين داخل الإدارة رأوا أنه تجاوز صلاحياته. وقال أحد المسؤولين: "المهمة كانت رمزية أكثر من كونها تنفيذية، لكنه لم يدرك ذلك. الجميع كان يعلم... ما عدا هو". ورغم تعيينه مستشاراً لأفريقيا في مطلع نيسان، ما زال يحتفظ بلقب "مستشار أول لشؤون العرب والشرق الأوسط"، غير أن مصدرَين مطلعَين أكدا أن صلاحياته لا تشمل العمل الفعلي على ملفات الشرق الأوسط.
ورفض بولس التعليق، لكن متحدثين باسم الإدارة دافعوا عن دوره في ملف أفريقيا، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جيمس هيويت، إن بولس "عضو قيم في فريق السياسة الخارجية للرئيس، وقد حقق بالفعل تقدماً كبيراً في تعزيز العلاقات الأميركية مع دول القارة".
تفاصيل الرحلة الافريقية
وفي ما يخص الرحلة الملغاة في نيسان، أكد مسؤول حكومي رفيع أن بولس ووفده انتظروا بالفعل في القاعدة الجوية، وأنهم اضطروا لإجراء تعديلات لأسباب تقنية، وسافروا جواً إلى كل من الكونغو ورواندا وكينيا وأوغندا على متن رحلات تجارية. وأضاف المسؤول أن بولس يخطط لزيارة أنغولا ودول أخرى في منطقة البحيرات الكبرى قريباً، ربما في أيار/مايو الحالي.
ويُعد بولس أبرز مستشاري ترامب للشأن الأفريقي بحكم الأمر الواقع، نظراً لغياب تعيين رسمي لمنصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، أو أي بديل له في مجلس الأمن القومي، لكن بيان وزارة الخارجية حول تعيينه جاء مقتضباً وغامضاً، ولم يوضح طبيعة مسؤولياته.
حرية مقيدة
ولا يبدو أن بولس يتمتع بالحرية التي يحظى بها حلفاء ترامب الآخرون ممن يتولون أدواراً تتجاوز التسلسل الهرمي التقليدي، وفقاً لأحد العاملين في السياسة الخارجية بالحزب الجمهوري. ونقلت الصحيفة عنه قوله: "هو ليس ريك غرينيل أو ستيف ويتكوف"، في إشارة إلى مبعوثَين مقربَين من ترامب يتمتعان بمهام واسعة ويرفعان تقاريرهما مباشرة إلى الرئيس. أما بولس، فيعمل ضمن مكتب أفريقيا التابع لوزارة الخارجية، ويخضع لإشراف دبلوماسيين كبار. ورغم ذلك، حقق بولس بعض النجاحات، مثل الوساطة بين رؤساء دول أفريقية، والمساهمة في الخطوات الأولى لاتفاق بين الكونغو ورواندا لتخفيف حدة العنف في شرق الكونغو.
وخلال اجتماع لمجلس الوزراء، أثنى وزير الخارجية ماركو روبيو على بولس، مشيراً إلى "عمل رائع" قام به في توقيع الاتفاق بين وزيري خارجية الكونغو ورواندا. وقد أكد أربعة من المصادر المطلعة على الجهود الأميركية هذه الرواية. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت: "السيد بولس يقوم بعمل استثنائي، كما يتضح من الاتفاق... بين الكونغو الديموقراطية ورواندا".
تصريحات لوسائل إعلام لبنانية
لكن حتى في نجاحاته، ظل بولس بعيداً من الأضواء، فعلى عكس مبعوثين آخرين مثل ويتكوف، الذي يمثل ترامب في محافل رفيعة ويلتقي رؤساء دول، يعمل بولس في الظل ولا يحظى بالملف الإعلامي نفسه.
وكان لمقابلات مبكرة أجراها بولس مع وسائل إعلام لبنانية، وتحدث فيها كصوت بارز في ملف لبنان، تأثير سلبي في علاقاته داخل دائرة ترامب. كما أثارت غضب الفريق، مقالة في "نيويورك تايمز" كشفت تضليلاً متكرراً من قبله بشأن مصدر ثروته. وقال شخصان من العارفين بتصرفاته إنه اشتهر بكثرة الحديث، كما أن إبعاده عن ملف الشرق الأوسط يعود أيضاً إلى مخاوف بشأن بعض علاقاته السياسية والاجتماعية في المنطقة.
قلق من علاقاته السياسية
بولس، المتحدر من شمال لبنان والذي هاجر إلى الولايات المتحدة في سن المراهقة، هو والد مايكل بولس، زوج تيفاني ترامب التي تنتظر مولوداً منه هذا العام. وقد أثارت علاقات بولس السياسية في لبنان قلق بعض مسؤولي الإدارة، لا سيما قربه من شخصيات مسيحية بارزة بينها سليمان فرنجية، الذي كان مرشح "حزب الله" لرئاسة الجمهورية في الفترة الماضية. رغم ذلك، واصل بولس محاولاته للتأثير في سياسة الشرق الأوسط، متحدثاً عن لبنان وسوريا في وسائل إعلام عربية، مما أثار ارتباكاً في المنطقة. وقال أحد المسؤولين: "يتحدث علناً في ملفات لا تخصه، مما يسبب ارتباكاً في المنطقة. لقد شكل ذلك مشكلة حقيقية".
لكن مسؤولاً حكومياً رفيعاً أصر على أن بولس ما زال يؤدي بعض المهام المتعلقة بالشرق الأوسط من مكتبه في قسم الشؤون الأفريقية، ويعمل بالتنسيق مع وزير الخارجية والرئيس.
وتظهر بطاقة التعريف التي يوزعها بولس، والتي اطلعت عليها "بوليتيكو"، عنوان بريده الحكومي وأرقام هواتفه، وتصفه بأنه "مستشار أول للرئيس"، وهي صيغة مبالغ فيها تزيد الغموض حول صلاحياته الفعلية، حسب الصحيفة.
انزعاج من مبادرات فردية
كما أعرب عدد من مسؤولي البيت الأبيض والخارجية عن انزعاجهم من بعض المبادرات الفردية التي اتخذها بولس، واعتبروها تصرفات غير منسقة تضر بمصالح الإدارة. وأحد أبرز الأمثلة على ذلك، مقابلة أجراها بولس باللغة العربية شكك فيها في اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهي قضية شائكة ضمن اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل في عهد ترامب الأول. وقد أغضب تصريحه الحكومة المغربية، بحسب مصدر مطلع على رد فعل الرباط، ونشر بولس لاحقاً تدوينة في منصة "X"، أكد فيها تمسك روبيو باعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الإقليم.
كما عقد لقاءً خاصاً مع الرئيس النيجيري، بولا أحمد تينوبو، في باريس، من دون تنسيق مسبق مع وزارة الخارجية، مما أوقع سفارتي واشنطن في باريس وأبوجا في موقف محرج بعدما علمتا باللقاء عبر وسائل الإعلام، بحسب مصدرَين مطلعَين. ومع ذلك، قالت جهة رسمية إن اللقاء نسق مع الوزارة، وأشارت إلى أن السفارة الأميركية في أبوجا نشرت لاحقاً خبراً عن اللقاء كدليل على علمها المسبق به.
تجدر الإشارة إلى أن بولس يملك نشاطاً تجارياً في نيجيريا لبيع الشاحنات والمعدات الثقيلة، لصالح شركة يملكها والد زوجته.

تضارب حول وظيفته الحالية
وقد أبلغ بولس بعض الأشخاص بأن وظيفته الحالية مؤقتة وسيشغلها لمدة ستة أشهر فقط، بحسب مسؤول في وزارة الخارجية، بينما نفى مسؤول حكومي رفيع أن يكون بولس قد صرّح بذلك لزملائه.
ورغم الأخطاء، يرحب بعض المسؤولين الأميركيين بحماس بولس للعمل على ملفات أفريقية معقدة لا تحظى بالكثير من الاهتمام في واشنطن. ومن بين إنجازاته، محاولات إنهاء القتال في شرق الكونغو، والدفاع عن مشروع بنية تحتية أُطلق في عهد بايدن لمواجهة نفوذ الصين في المنطقة. وقالت وزارة الخارجية في بيان: "في أسابيع قليلة فقط من توليه منصب المستشار الأول للرئيس لشؤون أفريقيا، حقق السيد بولس تقدماً كبيراً في تطبيق دبلوماسيتنا القائمة على مبدأ أميركا أولاً في القارة". كما ساهم في التوصل إلى اتفاق لإعادة ثلاثة أميركيين من الكونغو، كانوا يواجهون أحكاماً بالإعدام بتهمة التورط في محاولة انقلاب فاشلة، بحسب ثلاثة مصادر، علماً أن المفاوضات حول إطلاق سراحهم كانت جارية أصلاً قبل دخول بولس على الخط.
والتقى بولس أكثر من عشرة مسؤولين رفيعين، بينهم وزراء ورؤساء دول، مثل رئيس الكونغو فيليكس تشيسيكيدي ورئيس رواندا بول كاغامي. وقد لقيت جهوده ترحيباً من مسؤولي ملف أفريقيا الذين أصيبوا بخيبة أمل بعد إلغاء زيارة مقررة لروبيو إلى القارة في وقت سابق هذا الشهر. وقال مصدر مطلع على تحركات بولس في أفريقيا: "لقد قام بما لم يفعله غيره، ربما لأنه لا يوجد غيره أساساً في الميدان. إنه شخص لطيف ولبق، والإدارة بحاجة ماسة لمن يعمل ميدانياً على ملفات القارة".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها