الجمعة 2025/05/30

آخر تحديث: 16:41 (بيروت)

نظام الأسد تخلص من أرشيف مجزرة حماة..بعد غزو العراق

الجمعة 2025/05/30
نظام الأسد تخلص من أرشيف مجزرة حماة..بعد غزو العراق
الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في دمشق
increase حجم الخط decrease
أثار المدير العام السابق لـ"لهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون" في سوريا، معن حيدر، جدلاً واسعاً بعد ظهوره في مقطع فيديو يتحدث فيه عن مشاهدته لمقاطع نادرة تُعرض للمرة الأولى في إحدى قنوات "يوتيوب" تغطي فيها الفترة بين العامين 1970 و2012، من دون أن يسمي القناة أو يوضح كيفية وصول هذه المواد إليها.

وقال حيدر أن مصدر المقاطع هو أرشيف التلفزيون السوري، متسائلاً عن كيفية تسريبها، رغم أنه كان على رأس الهيئة حتى العام 2015 ويفترض أنه يجب أن يمتلك الأجوبة على الأسئلة التي يطرحها لأن موضوع سرقة وتسريب أرشيف التلفزيون السوري قديم وليس جديداً، بل يعود إلى حقبة نظام الأسد الذي باع ذلك الأرشيف أو تخلص منه، وهو ما يشير له حيدر شخصياً ضمن الفيديو لاحقاً.



ويعني ذلك أن حيدر الذي كان يلمح إلى مسؤولية السلطات الجديدة في "تخريب ذاكرة الوطن السوري" يجب أن يمتلك إجابات لا أن يطرح الأسئلة لكونه المسؤول الأول عن التلفزيون خلال الفترة التي يُعتقد أن عملية التسريب أو البيع تمت خلالها، ما يشير ضمناً إلى أن تلك العمليات جرت بعلمه أو بتغاضٍ منه، خلال عهد النظام السابق، ما يُبعد أي مسؤولية محتملة عن السلطات الجديدة التي تسلمت زمام الأمور بعد سقوط الأسد.

ورغم ذلك، لمح حيدر إلى أن التسريب جرى خلال الفترة الحالية، موجهاً اتهامات غير مباشرة للسلطات الجديدة، في طرح غير منطقي، لأن الأرشيف المنسوب للنظام السابق يشكل مادة توثيقية ذات قيمة للسلطات الجديدة، في إطار كشفها عن ممارسات النظام البائد، وليس العكس، في وقت كان حيدر يتخبط في حديثه عن الأرشيف بين مسحه وإتلافه وعرضه للجمهور، حيث بدا من حديثه أنه يريد أن يبقى الأرشيف سرياً، مثلما كان طوال عقود.

وكان نظام الأسد سبق باع أجزاء من أرشيف التلفزيون السوري، خصوصاً الأرشيف الفني، من دون معرفة إن كانت تلك العملية شملت الأرشيف السياسي أيضاً. وهنا يبرز تساؤل ضروي: لماذا لم يقدم حيدر، الذي تولى رئاسة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لفترة طويلة، وشغل مناصب قيادية في وزارة الإعلام، من بينها معاون وزير الإعلام بين العامين ٢٠١٥ و ٢٠٢١، توضيحات حول هذه العمليات؟ وما الذي يمنعه من الإفصاح عن مصير أرشيف يُعد جزءاً من الذاكرة التاريخية السورية؟ ولماذا لم يتساءل عن كل ذلك في وقت سابق حتى بعد استقراره في السويد العام 2021؟

والحال أن تقارير إعلامية تحدثت طوال العقد الماضي عن عملية بيع أرشيف التلفزيون السوري التي تمت بإشراف مباشر من أسماء الأسد، زوجة الرئيس السابق بشار الأسد، وشمل ذلك الأرشيف الفني الذي احتكرته لسنوات "شبكة وطن" وهي شبكة خاصة تم إنشاؤها في الولايات المتحدة للالتفاف على العقوبات المفروضة على سوريا حينها، تكنولوجياً، للاستفادة مادياً منها من جهة، ولمنع المعارضين أو السوريين عموماً من استخدامها بأي طريقة حتى ضمن إطار الاستخدام المنصف الذي يتيح للمستخدمين الاستعانة بأي فيديو لوقت محدود بغض النظر عن ملكيته الفكرية.

وتم استخدام تلك الملكية الفكرية، لإغلاق قنوات "يوتيوب" بشكل تعسفي ضمن نطاق لا يفترض أنه محصور بالملكية الفكرية مثل الفيديوهات السياسية والإخبارية، وهو ما تحدث عنها ناشطون وصحافيون منذ العام 2011، حيث كان مجرد نشر فيديو لمظاهرة أو خبر سياسي مثلاً كفيلاً بحصولهم على إنذارات من "فايسبوك" أو "يوتيوب" بخصوص الملكية الفكرية التابعة لـ"شبكة وطن" ما يرجح أن الأرشيف السياسي والإخباري للتلفزيون تم بيعه أيضاً في تلك الفترة، من أجل السيطرة على السردية السياسية.

ولعل النقطة المفيدة الوحيدة التي تحدث عنها حيدر هي كشفه عن معلومة جديدة تفيد بأن نظام الأسد  تخلص من جزء كبير من أرشيف الثمانينايت، لا سيما المتعلق بأحداث مجزرة حماة، عقب حرب اللعراق العام 2003، حين انتشرت مشاهد لاقتحام أرشيف التلفزيون العراقي. وأضاف أن النظام السوري تعامل مع الحدث كجرس إنذار، فسارع إلى إتلاف المواد التي قد تفضح تورطه في جرائم مماثلة.

في تلك الفترة، كان نظام بشار الاسد الذي تولى الحكم إثر وفاة والده حافظ العام 2000،  يخشى أن يكون التالي على لائحة الحرب الأميركية لنشر الحرية والتخلص من الطغاة في الشرق الأوسط، بعد صدام حسين، وبالتالي جاء إتلاف الأرشيف كجزء من ممارسات أكبر، تضمنت ايضاً إرسال جهاديين إلى العراق لمحاربة القوات الأميركية، ويعطي ذلك إشارة لمستوى الهلع الذي كان حاضراً خلف الكواليس السياسية في سوريا في تلك الفترة الحساسة.

وتطرق حيدر إلى سياسة الأنظمة السورية المتعاقبة في التعامل مع أرشيف الإعلام الرسمي، وقال أن كل نظام كان يعمل على محو إرث من سبقه. وذكر أن هذا النهج بدأ منذ تأسيس التلفزيون السوري العام 1960، حيث أُتلف أرشيف الوحدة السورية-المصرية بعد الانفصال، ثم قام نظام الأسد لاحقاً بإزالة جميع المواد المصورة من تلك الفترة وحتى توليه السلطة في السبعينيات، ما يعني أن الأرشيف الذي يقلق حيدر عليه اليوم هو أرشيف حافظ الأسد للسلطة مجرداً من فترة الثمانينيات، لا أكثر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها