الثلاثاء 2025/05/27

آخر تحديث: 15:00 (بيروت)

"لافتات لا تموت": كفرنبل في دمشق

الثلاثاء 2025/05/27
"لافتات لا تموت": كفرنبل في دمشق
increase حجم الخط decrease
في مشهد يعيد إلى الأذهان بدايات الحراك الشعبي في سوريا، تصدرت لافتات مدينة كفرنبل واجهة محطة الحجاز وسط العاصمة دمشق، في فعالية فنية رمزية حملت عنوان "كفرنبل لافتات لا تموت"، أعادت إحياء أبرز شعارات المدينة التي تحولت منذ العام 2011 إلى أيقونة للثورة السورية ورسالتها السلمية.



وشهدت الفعالية التي نظمها ناشطون سوريون، عرض عشرات اللافتات الأصلية والمصورة التي رفعت في مظاهرات مدينة كفرنبل خلال السنوات الأولى للثورة، وعلقت على حبال امتدت بين أعمدة ساحة الحجاز، جذبت أنظار المارة الذين توقفوا لقراءة العبارات التي طالما ميزت المدينة بلهجتها الساخرة، ورسائلها السياسية الناقدة، ورسوماتها التي مزجت الفن بالكلمة.



وهذه ليست المرة الأولى التي تعرض فيها لافتات كفرنبل خارج المدينة الواقعة في محافظة إدلب، لكنها الأولى التي تحط فيها نسخها الأصلية في دمشق، في مشهد يصفه القائمون على الفعالية بأنه احتفاء بانتصار قيم الثورة بعد سقوط نظام الأسد، وعودة الصوت المخنوق إلى مكان لطالما كان محاصراً بالخوف.

ولم تكن الرسائل المرفوعة موجهة للنظام السابق وحده، بل إلى كل من شوه ملامح الثورة، من تنظيمات متطرفة وسلطات الأمر الواقع، في استعادة رمزية لما مثلته كفرنبل كصوت يرفض عنف وقمع نظام الأسد والطائفية والجهادية في آن واحد.



ومن اللافتات التي أثارت تفاعلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، لافتة كتب عليها:"أنا درزي وعلوي سني وكردي سَمعولي مسيحي يهودي وآشوري… أنا الثائر السوري وأفخر"، لما تحمله من رسالة قوية في رفض الانقسام الطائفي وتأكيد وحدة السوريين ، كما رأى فيها كثيرون تجسيداً حقيقياً لهوية الثورة الجامعة.



وقال عبد الله السلوم، أحد أعضاء المكتب الإعلامي السابق في مدينة كفرنبل، لوسائل إعلام محلية أن "اللافتات تم نقلها إلى خارج المدينة على مراحل بين 2012 و2019 بسبب الحملة العسكرية للنظام وروسيا، وأن الحفاظ على نسخها الأصلية كان مهمة شاقة لكنها ضرورية لتوثيق جزء من التاريخ السوري الحديث".



وأشار الناشط إبراهيم سويد، أحد المساهمين في كتابة الشعارات في تصريحات موازية، إلى أن "الجمعة كان يوم اللافتة"، حيث كان أهالي المدينة وناشطوها يتشاورون لاختيار فكرة تعكس حدثاً سياسياً أو موقفاً عاماً، قبل أن يخطّها الصحافي والناشط رائد الفارس بخطه المميز، الذي اغتالته "هيئة تحرير الشام"العام 2018، وتحول بعض تلك اللافتات إلى مواد توثيقية استشهد بها في تقارير حقوقية وإعلامية. ومن أبرز ما عبرت عنه تلك اللافتات، رفض المدينة الواضح لمحاولات فرض الطابع الجهادي على الثورة. ففي العام 2013، وبعد دخول "جبهة النصرة" إلى المدينة، رفض أهالي كفرنبل رفع أعلامها السوداء أو التظاهر معها، وأصروا على التظاهر منفصلين رافعين شعارات "حرية، دولة مدنية"، في ما اعتبر لحظة فارقة تعكس وعي السوريين وموقفهم من أسلَمة مفروضة على ثورتهم.



واغتيل الفارس الذي يعدّ العقل المدبر وراء لافتات كفرنبل، في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 على أيدي مسلّحين يعتقد أنهم من الجماعات الجهادية التي كانت تسيطر على إدلب حينها، في عملية أكدت أن عدو الثورة لم يكن النظام وحده، بل أيضاً من حاول احتكارها أو تشويهها باسم الدين أو السلاح، وهو ما توصلت إليه أيضاَ "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".

وكان الفارس معروفاً بمواقفه الرافضة للعنف والمتمسكة بالقيم المدنية للثورة، وهو الذي كتب يوماً: "نعم لسوريا تعددية، لا لداعش والأسد"، مجسداً بشعاراته معركة السوريين من أجل الحرية والديموقراطية. وتحمل الفعالية في دمشق اليوم بعداً سياسياً هاماً، فاللافتات التي ولدت في أقصى الشمال السوري، واغتيل أصحابها على يد المتطرفين، تعود اليوم إلى قلب العاصمة، لا بوصفها تذكيراً بماضٍ غابر، بل بوصفها مطالبة مستمرة بالعدالة والحرية والاعتراف بالتضحيات.

ووسط محاولة بعض الأطراف فرض سرديات مصنّعة عن الحرب، تأتي هذه اللافتات لتفكّك الثنائية السامّة التي روّج لها النظام: "سوريا الأسد" مقابل "سوريا الإرهابيين"، وتذكّر بسوريا ثالثة حلم بها الملايين. الفعالية أيضاً تفضح عنف النظام الممنهج، الذي لم يكتفِ بإسكات الحناجر، بل حاول طمس الرموز، فيما فشلت كل أدواته في إلغاء أثر كفرنبل، التي قاومت باللافتة، ودفعت ثمناً باهظاً من أجل الحفاظ على المعنى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها