الثلاثاء 2025/05/27

آخر تحديث: 20:47 (بيروت)

تحوّل في معركة غزة: إسرائيل تخسر حاضنتها الأوروبية

الثلاثاء 2025/05/27
تحوّل في معركة غزة: إسرائيل تخسر حاضنتها الأوروبية
الجوع في غزة (Getty)
increase حجم الخط decrease
لم يسبق أن تعرضت اسرائيل لانتقادات غربية متزامنة، كما هو حال اليوم، إذ تراكمت الهجمات الاعلامية والسياسية والانسانية من كل حدب وصوب، في مسعى لايقاف الحرب التي يرفض رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو إيقافها، منعاً لإنهاء مستقبله السياسي.

وتشير الوقائع منذ مطلع الاسبوع، الى أن تل أبيب، خسرت حاضنتها الأوروبية، بعد موجة الانتقادات الكبيرة التي ساقها مسؤولو الأمم المتحدة على مدى أشهر، في مؤشر جديد على تحول في وقائع الحرب، رغم أنه لم يفلح عملياً حتى الآن، بإنهاء المجازر، أو تقويض طموحات نتنياهو، أو فرملة اندفاعته لتغيير وجه غزة الديموغرافي، بعد تغيير وجهها المُدُنيّ. 

تجويع غزة
واللافت في الانتقادات المتزامنة، أنها لم تقتصر على مواقع إنسانية، كما جرت العادة خلال العامين الماضيين، بل شملت انتقادات النخب، من محامين الى كتاب ومثقفين ووسائل إعلام، خلصت الى أن "أفعال إسرائيل لا يمكن الدفاع عنها"، حسبما جاء في صحيفة "فايننشال تايمز" التي كتب المعلق فيها جدعون راتشمان، إن على أوروبا زيادة الضغط على نتنياهو، مضيفاً أن فرنسا وبريطانيا ساعدتا في حماية إسرائيل من أعدائها، لكن عليهما التوقف عن الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه.

والحال إن إسرائيل، ضربت عرض الحائط كل المناشدات لإطعام المدنيين بالحد الأدنى، فقد منعت دخول شاحنات الغذاء والمساعدات إلى غزة. وحسب "فايننشال تايمز"، لا يجوز استخدام إمدادات الغذاء للمدنيين كسلاح حرب، من الناحية الأخلاقية والقانونية.

كتّاب فرانكوفونيون
بالموازاة، عبّر أكثر من 300 كاتب ناطق بالفرنسية، بينهم ليلى سليماني، وفيرجيني ديبانت، وغايل فاي، ومونا شوليه، ونيكولا ماتيو، ومحمد مبوغر سار…، عن قلقهم حيال الوضع في غزة، داعين إلى وقفٍ فوريّ لإطلاق النار في القطاع الفلسطيني، وطالبوا بفرض عقوبات على إسرائيل، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. وفي نص نُشر في صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، قال الكتاب: "إن مسؤوليتنا الجماعية على المحك. إسرائيل تواصل قتل الفلسطينيين والفلسطينيات بلا هوادة، بالعشرات كل يوم. من بينهم زملاؤنا وزميلاتنا.. الكتّاب والكاتبات في غزة. وعندما لا تقتلهم، فإنها تشوّههم أو تهجّرهم أو تتعمّد تجويعهم. لقد دمّرت إسرائيل أماكن الكتابة والقراءة، من مكتبات وجامعات ومنازل وحدائق". 

الأمم المتحدة
وانضمت هذه الانتقادات الى انتقاد علني ساقه منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة توم فليتشر، الى الدول التي خفضت المساعدات "ويتباهى المسؤولون فيها بهذا الفعل، ويحتفلون وينسبون الفضل لأنفسهم في تلك التخفيضات"، محذراً من أن التخفيضات الأخيرة في المساعدات الدولية لها عواقب وخيمة، مضيفاً أن "الناس سيموتون نتيجة لهذه التخفيضات". وأكد فليتشر أن "التضامن والتعاطف الإنسانيين ليسا مجرد التزام أخلاقي، بل إنهما يصبان أيضا في مصلحة الدول المانحة". كما ذكر أن نظام المساعدات العالمي "يجب أن يخضع لإعادة تنظيم، ليصبح أكثر كفاءة ويستكشف مصادر جديدة للتمويل". 

بالموازاة، وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الثلاثاء، القصف الإسرائيلي على مدرسة تؤوي نازحين في غزة، بالعمل "البغيض"، وذلك في أثناء اتصال هاتفي مع ملك الأردن عبد الله الثاني.

الإعلام الغربي
ومن شأن تلك التصريحات، أن تبدل في وجهة النظر الاعلامية تجاه حرب غزة، حيث لم يعد "حق دفاع إسرائيل عن النفس" مبرراً كافياً لتغطية جرائم الحرب. على مدى أشهر، كان هذا التصريح بمثابة تبرير مكرر، أريد منه تغطية الجرائم، طمعاً بتحولات سياسية، وثبت بعدها أن الاستمرار بالتغطية، بدأ يُخسر حكومات الغرب موثوقيتها أمام شعوبها.  

من هنا، يُقرأ التحول البريطاني، لجهة تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة مع إسرائيل، ومن ثم تصريح فليتشر، البريطاني الذي شغل موقعاً مهماً في الدبلوماسية البريطانية، علماً أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، كان قد مهد في الاسبوع الماضي لخطوات بريطانية بقوله: "لا يمكننا أن نظل متفرجين على هذا الوضع المتدهور، فهو يتعارض مع المبادئ التي تشكل أسس علاقتنا الثنائية (مع إسرائيل)، ويُعدّ إهانة لقيم الشعب البريطاني". 

وتوسعت الضغوط على الحكومة البريطانية من الميدان الدبلوماسي والانساني، الى النخب، إذ نشرت صحيفة "الغارديان"، الثلاثاء، رسالة موجهة إلى رئيس الحكومة البريطانية، وقعها 800 محام بينهم قاضيان سابقان في المحكمة العليا، يطالبون فيها بفرض عقوبات فورية على وزراء في الحكومة الإسرائيلية وقادة في جيشها، بسبب ارتكابهم جرائم حرب في قطاع غزة. وأكد المحامون أن بريطانيا ملزمة قانونياً باتخاذ جميع الخطوات الممكنة ضمن سلطتها لمنع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها، مشددين على أن الإجراءات البريطانية الحالية لا تلبي هذه المعايير.

ضغوط أوروبية
ولا تقتصر الضغوط على اسرائيل، من الجانب البريطاني، إذ تشمل ضغوطاً أوروبية، بينها مراجعة الاتحاد الأوروبي اتفاقية التعاون الخاصة به مع تل أبيب. وأوروبا، تعتبر أكبر شريك تجاري لاسرائيل، وعمل الاتحاد على كسر عزلة اسرائيل الثقافية والرياضية، بينها مباريات كرة القدم ومسابقة الأغنية "يوروفيجن" في العام الماضي. ومع ذلك، ذهبت تل أبيب الى مهاجمة اوروبا لتخفيف الضغوط عنها، من بينها اتهام وزير الخارجية الإسرائيلي الأوروبيين بـ"التحريض على معاداة السامية". فيما إتهم نتنياهو بريطانيا وفرنسا بـ"الوقوف مع قتلة جماعيين ومغتصبين وقتلة أطفال وخاطفين".

تظهر تلك الوقائع، تحولات عميقة في النظرة الاوروبية تجاه اسرائيل التي لم يعد أمامها الا وقف الحرب، والسماح بإدخال المساعدات، ومنع مجاعة تلوح في أفق غزة المحاصرة والمدمرة فوق رؤوس سكانها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها