الإثنين 2025/05/26

آخر تحديث: 15:45 (بيروت)

حين أصبحت الرماية "رياضة" أطفال سوريين مقاتلين

الإثنين 2025/05/26
حين أصبحت الرماية "رياضة" أطفال سوريين مقاتلين
مقاتل يعطي سلاحه لطفل في سوق الحميدية بدمشق (Getty)
increase حجم الخط decrease
أظهر مقطع مصور انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي في نيسان/أبريل 2025، طفلاً لا يتجاوز عمره 12 عاماً، يحمل سلاحاً بوزن يبدو معادلاً لوزن الطفل المتحدر من محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، وقد رافق والده ضمن رتل مسلح أثناء الاشتباكات التي شهدتها المدينة مع قوات الأمن العام حينها. واللافت في الفيديو أن مَن كان يصور المشهد ردد بفخر عبارة "الله محي البطن اللي حملك"، في تعبير شعبي يُظهر حجم التطبيع مع ظاهرة إشراك الأطفال في العمل المسلح.

ولا يُنظر لهذا النوع من الفيديوهات على أنها حوادث فردية، بل تأتي ضمن سياق أوسع يتصاعد فيه تجنيد القاصرين في مناطق متعددة من سوريا، إما بشكل "عفوي" بفعل انخراط الأهل أنفسهم في الصراع، أو بشكل قسري من خلال الخطف والتجنيد داخل معسكرات تدريب مغلقة.

والخطورة لا تكمن فقط في حمل السلاح، بل في المسار الذي يُرسم لهؤلاء الأطفال في عمر التشكل النفسي والمعرفي. لأنهم لا يعيشون طفولتهم كما ينبغي، بل يُسحبون من فضاء التعليم والهوايات والعلاقات الاجتماعية الطبيعية، ليُعاد تشكيلهم ضمن منظومة قائمة على الطاعة، والعنف، والانفصال عن الحياة المدنية.

وفي نيسان/أبريل الماضي أيضاً، نظم الشيخ عبد الناصر علوان المعروف بلقب "أبو إسلام الحموي"، فعالية لتدريب المشاركين على استخدام السلاح في محافظة حماة، بدعم رسمي من مديرية الأوقاف الرسمية. وانتشرت في مواقع التواصل صور تُظهر مشاركة أطفال قاصرين في التدريبات، ما أثار موجة واسعة من الانتقادات بين ناشطي حقوق الإنسان ومراقبين محليين.

و"الفعالية الدعوية"، شملت تدريبات على استخدام الأسلحة النارية، بشكل مشابه لما يكان يتم لأكثر من عقد على يد التنظيمات الإسلامية في سوريا، بما في ذلك "داعش" الذي أنشأ معسكرات "أشبال الخلافة" على سبيل المثال. ويعد المعسكر في حماة تداخلاً خطيراً وغير مبرر بين العمل الديني والنشاط العسكري. ودافع الشيخ علوان عن الحدث، مشيراً إلى أن الهدف منه يتمثل في تعليم مهارات الدفاع عن النفس، واعتبر الرماية "رياضة مشروعة" حسب تعبيره.

يسلط ذلك الضوء على خطورة إشراك الأطفال في تدريبات عسكرية مهما كانت التسميات التي تُستخدم لتبريرها، سواء كانت دينية أو رياضية. كما تطرح تساؤلات جادة حول مسؤولية الجهات الرسمية، مثل مديرية الأوقاف، في دعم هذا النوع من الأنشطة، ما يكشف عن خلل بنيوي في الفصل بين الوظائف المؤسسية، في سياق يعاني أصلاً من هشاشة في الرقابة القانونية والمؤسسية.

وفي شمال شرقي سوريا، حيث تسيطر قوات سوريا الديموقراطية "قسد"، تتهم حركة "الشبيبة الثورية" بعمليات خطف الأطفال وتجنيدهم قسراً. وفي 15 آذار/مارس 2025، وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" اختطاف الطفلة فريدة خليل محمد (مواليد 2009) من حي الشيخ مقصود في مدينة حلب، واقتيادها إلى أحد مراكز التجنيد التابعة للحركة من دون علم أو موافقة عائلتها، ومنعها من التواصل مع ذويها.

وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن حركة "الشبيبة الثورية" تنفذ عمليات تلقين أيديولوجي للأطفال، وتقوم بنقلهم لاحقاً إلى مجموعات مسلحة تابعة لـ"قسد"، وأكدت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن قرابة 413 طفلاً مازالوا قيد التجنيد الإجباري في المعسكرات التابعة لـ"قوات سوريا الديموقراطية".

ولا يعد ذلك جديداً بل هو نمط قديم في سوريا ولا يقتصر على طرف واحد، وحتى في زمن ما قبل الثورة السورية كان تجنيد الأطفال حاضراً بشكل ممنهج في المدارس ليس فقط عبر النظام العسكري واللباس العسكري، بل عبر دروس التربية العسكرية ومعسكرات الخدمة الإلزامية الإجبارية، التي توقفت بعد وصول بشار الأسد للسلطة واقتصر حضورها على الجامعات التي كان التخرج منها يقتضي خوض معسكرين تدريبيين مع الجيش.

وبعد الثورة السورية ازدادت تلك الممارسات. ففي كانون الأول/ديسمبر 2024، قبيل إعلان سقوط نظام الأسد بيومين، دانت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" حملات الاعتقال الجماعي التي نفذتها قوات النظام السوري واستهدفت مئات الشبان والأطفال بهدف التجنيد القسري وإرسالهم مباشرة إلى جبهات القتال شمالي البلاد، بعد إطلاق فصائل المعارضة عملية "ردع العدوان".

وأوضحت الشبكة أن الاعتقالات شملت مداهمات في الأسواق والأحياء والشوارع، وطاولت حتى حاملي وثائق الإعفاء والمُسوّين أو العائدين من لبنان، وقُدر عدد المعتقلين بنحو ألف شخص نُقلوا من دون تدريب أو إجراءات قانونية. كما نفذت الشرطة العسكرية حملة مشابهة في مدينة سلمية، شرقي حماة، استهدفت النازحين، وسط رفض ميليشيا "الدفاع الوطني" المشاركة في القتال، ما دفعها إلى دعوة الشبان للانضمام إليها مقابل رواتب شهرية.

تُعد ظاهرة تجنيد الأطفال في سوريا ممارسة متجذرة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما أدرج نظام حافظ الأسد مادة "التربية العسكرية" في المناهج الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية. تضمنت هذه المادة تدريبات نظرية وعملية على استخدام الأسلحة، مثل فك وتركيب البنادق، بالإضافة إلى تدريبات ميدانية في معسكرات صيفية، تحت إشراف منظمة "شبيبة الثورة"، الذراع الشبابي لـ"حزب البعث". كما أُنشئت منظمة "طلائع البعث" للأطفال في المرحلة الابتدائية، حيث خضعوا لتلقين أيديولوجي مكثف، شمل ترداد شعارات مثل "بالروح بالدم نفديك يا حافظ"، لترسيخ ثقافة الطاعة والولاء للنظام منذ سن مبكرة.

ومع اندلاع الثورة السورية العام 2011، استمرت الفصائل المسلحة، بما في ذلك تنظيم "داعش"، في تقديم النموذج نفسه. وأنشأ التنظيم معسكرات تدريبية خاصة بـ"أشبال الخلافة"، حيث خضع الأطفال لتدريبات عسكرية صارمة وتلقين أيديولوجي متطرف. استغل التنظيم الوضع الاقتصادي المتدهور، مُغرياً العائلات بمبالغ مالية مقابل إرسال أطفالهم إلى المعسكرات، ما أدى إلى تجنيد أعداد كبيرة من الأطفال في صفوفه.

وتُظهر هذه الممارسات كيف أن تجنيد الأطفال في سوريا لم يكن مجرد استغلال ظرفي، بل جزءاً من سياسات ممنهجة بغض النظر عن هوية الطرف المستغل، من النظام إلى معارضيه على اختلاف أيديولوجياتهم، ما أدى إلى تدمير جيل كامل من الأطفال الذين حُرموا من طفولتهم وتعرضوا لصدمات نفسية عميقة، ستؤثر في مستقبلهم ومستقبل المجتمع السوري بأسره.

وأظهرت تقارير حقوقية دولية صدرت أواخر العام 2024 ومطلع 2025 استمرار ظاهرة تجنيد الأطفال في سوريا، ووثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" حالات استغلال مماثلة لأطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً، ما يعرضهم لصدمات نفسية وجسدية خطيرة. وأكد تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" للعام 2025 أن أكثر من 7 ملايين طفل سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأن الفقر والنزوح يدفعان العديد منهم نحو مخاطر التجنيد القسري، وسط معاناة 85% من الأسر السورية في تلبية احتياجاتها الأساسية، كما انتقدت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها السنوي للعام 2024 حول الاتجار بالبشر، تقاعس النظام السوري المخلوع عن اتخاذ أي خطوات لحماية الأطفال من هذه الانتهاكات أو محاسبة المتورطين فيها.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها