بهذه العبارة، قدّم رئيس البلدية الحالي جورج عون، والمرشح لرئاسة البلدية في الدورة الحالية، برنامجه الانتخابي. كرر التصريح مرات عديدة، منذ شهر آذار/مارس الماضي، وورد فحواه في مقطع فيديو انتشر في مجموعات "واتسآب"، الشهر الماضي، يصوّر أن أهم ما أنتجته البلدية هو هذا القرار الذي "وفر لحماية للبلدة خلال الحرب الأخيرة"، كما يقول الفيديو، وأنه "حمى القسم العُلوي من البلدة من دمار تعرض له القسم السفلي منها".
وإذا كان هذا القرار، بحسب عون ولائحته "تضامن شباب الحدت"، هو الإنجاز، فلعل الحرب الأخيرة منحته إياه لتسويقه إعلامياً، ولحشد الناخبين الخائفين من تكرار الحرب، لكنه في الواقع ينتقص الى مجموعة وقائع، من الضروري التوقف عندها، منذ اتخاذ القرار في 2010.
تحالف "التيار" و"حزب الله"
فالقرار القاضي بمنع استملاك المسلمين ضمن النطاق الأعلى للبلدية (شرق بوليفار كميل شمعون)، لم يُنفذ بقوة القانون وقوته، بل بقوة التحالف بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" في ذلك الوقت. تمت إعادة آلاف الأمتار المربعة من الأراضي التي كان اشتراها مستثمرون شيعة من مسيحيين ضمن نطاق البلدية، لتجنب مشكلة بين الحزب والتيار.
ومع أن المستثمرين خسروا آنذاك فرصة تجارية، إلا أنهم وافقوا على إعادة الأراضي بالسعر الذي اشتروا به "إكراماً للسيد نصر الله آنذاك"، كما يقول أحدهم، وهو ما منعهم من التقدم بدعوى قضائية أمام مجلس شورى الدولة "كانت فرصة ربحها عالية جداً لأن قرار البلدية ليس قانونياً".. وتالياً، فإن الزمن إذا عاد، لن يكرروا موافقتهم.. وبالتالي، فإن القرار كان سياسياً، وليس فوزاً للبلدية كما تم تصويره.
المخاطر الأمنية
وحين يتحدث عون عن "القسم التحتاني" من الحدت، أي منطقتي الجاموس والسان تيريز اللتين تعرضتا لقصف اسرائيلي، فإنه يسقط من حساباته أن تحييد الحدت، لم يكن نتيجة قراره، بل نتيجة لتعليمات لدى الحزب في الحرب بعدم الإقامة في المناطق التي تستضيف النازحين، أو سلوك طرقها، طالما أن الاستهدافات لا ترحم منطقة.. وكانت الحدت خلال الحرب، تستضيف مئات النازحين من الضاحية، وقامت البلدية (مشكورة) بإزالة النفايات عندما عجزت شركة جمع النفايات عن ذلك بسبب الوضع الأمني.. وتالياً، فإنه لو كانت تعليمات الحزب مغايرة، لما تم تحييد الحدت من القصف الاستهداف. وعلى العموم، فإنها حيّدت مثل عشرات المناطق التي استضافت نازحين.. أو عشرات المناطق المحيطة بالضاحية التي يقطن فيها الشيعة، مثل الشويفات وعرمون وبشامون وعين الرمانة والحازمية وغيرها.
ذرائع أمنية
ومع أن تسويق عون للقرار، يُختصر بالذرائع الأمنية، فإنه في الوقت نفسه يفتقر إلى عنصر مهم، وهو ما يعود بالضرر على أهالي الحدت. فتحديد الهوية المذهبية للاستثمارات (للمسيحيين فقط) يخلق احتكاراً، ويقلص السوق، مما يمنع الحدت من مواكبة أسواق العقارات التي ترتفع يومياً حول العاصمة. فقطعة الأرض الواقعة غربي بوليفار كميل شمعون، سيكون سعرها ضعف سعر الأرض في شرقه.. وينسحب الأمر على عقارات عين الرمانة، والشويفات، والحازمية، وحتى بعبدا حيث يقطن العشرات من المقتدرين الشيعة.
بهذه الحصرية، تتقلص أسعار الأراضي مما يمنع مالكيها من الاستفادة من الهبّة العقارية، لأن المستثمر الشيعي، الممنوع من التملك، سيبتعد عنها، وبالتالي يزيد العرض ويقل الطلب، ليستفيد من تدني الأسعار جزء من المستثمرين المسيحيين من أبناء المنطقة، على حساب مالكي الأراضي. وينسحب الأمر أيضاً على الإيجارات، وهو ما يفسر العقارات المعروضة للإيجار في عين الرمانة، أو غربي بوليفاء كميل شمعون اليوم، مقارنة بأسعار الإيجارات شرقي البوليفار، حيث يقل السعر المطلوب بنسبة تتخطى الخمسين في المئة.
تقصير البلدية
في الواقع، يغطي القرار، والتسويق له بهذه الطريقة، تقصيراً في البلدية في فرض القانون فيها، وهي واحدة من واجبات البلدية الأمنية والخدماتية. حين يُنفذ القانون على الجميع من دون استثناءات، وتُفرض معايير البلدية على السكان بمعزل عن هويتهم المذهبية، تنتفي الحاجة لقرارات تشبه قرار رئيس البلدية الحالي جورج عون، الساري منذ 2010. في بلدان العالم كافة، ثمة قانون محلي يُنفذ على الجميع، بمعزل عن هويتهم، أما الهروب منه الى قرارات تعود بالضرر الاستثماري على السكان، فهو هروب من الواجبات، وانتقاص لحقوق السكان قبل حقوق سائر اللبنانيين بالتملك في أي موقع يريدونه ضمن اتفاق بين مشترٍ وبائع.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها