الحال أن التقرير لم يقدم كثيراً من المعلومات الجديدة، بقدر أنه قام بتجميع الأحداث ووضعها في سياق دعائي وسياسي بالدرجة الأولى، بغض النظر عن النتائج الأمنية والعسكرية بخصوص جبهة لبنان وعموم المنطقة. وتحدث في التقرير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وضابط من جهاز "الموساد" غير مكشوف الوجه، إضافة إلى وزير الأمن السابق يؤاف غالانت ورئيس أركانه السابق هرتسي هليفي، وكذلك وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش.
الخطوة الممهدة للعملية
وبدأ تقرير "كان" مما وصفها "المعلومة الذهبية" التي أدت إلى قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، لاغتيال قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي ونائبه و5 من الضباط المرافقين له، ومروراً بضرب القوة الصاروخية للحزب وتدمير 80% منها، خاصة الصواريخ الذكية.
ويُفهم من التقرير أن ضربة حزب الله الحقيقية بدأت باستهداف مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق في أبريل/نيسان 2024، لكن هناك معلومة أوردتها صفحة محسوبة على المخابرات الإسرائيلية، مستندة إلى ما قاله نتنياهو، وهو أن نجاح عملية تفجير أجهزة الاتصالات، اعتمد على اغتيال شخصية إيرانية في كفر سوسة بدمشق قبل ساعات من تفجير تلك الأجهزة، خاصة على ضوء توفر احتمالات حول نية الحزب تعطيل تلك الأجهزة.
2022.. عام الإعداد
ووفق ما جاء في تقرير "كان"، فإنّ "الموساد" بدأ الإعداء لها العام 2022، وأن إسرائيل كانت تنوي افتعال عملية برية في ذلك الوقت، وذلك من أجل استنفار أكبر عدد من عناصر وقادة الحزب ودفعهم إلى استخدام "البيجر" في وقت واحد، ومن ثم المسارعة إلى تفجير هذه الأجهزة. ولكن لم تُنفذ الخطة في ذلك الوقت؛ لغياب التوافق بشأنها، وفق ما نوه إليه التقرير. وربما يُمكن إضافة عامل آخر، وهو أن تل أبيب اعتقدت وقتها أنها بحاجة لمبررات أمام العالم لتنفيذ الخطة.
وتحدث ضابط بالموساد خلال التقرير من دون كشف وجهه، عن أن الجهاز فتح شركة في هنغاريا العام 2022، من أجل تسريب وتفخيخ أجهزة "البيجر" قبل وصولها إلى حزب الله في لبنان.
اغتيال شخص مكلف بفحص "البيجر"
وثمة مسألة أخرى كشفها وزير الأمن السابق يؤاف غالانت خلال حديثه في تقرير "كان"، وهي أن أجهزة اتصال أخرى غير البيجر لم يكن متحمساً للمسارعة إلى تفجيرها؛ لكنها فُجرت بينما كانت موجودة في مخازن حزب الله، ولم تكن جاهزة للاستخدام بعد. كما أشار التقرير إلى أن الحزب كان ينوي إرسال أجهزة اتصال إلى إيران لفحصها بعدما تولدت لديه شكوك أمنية بخصوصها، لكن الأمن الإسرائيلي سارع إلى اغتيال الشخص المكلف بفحص الموضوع، وهو أسلوب حاول من خلاله التقرير أن يفاخر بمدى تغلغله أمنياً داخل الحزب لدرجة انكشافه على هذه الدرجة، بيدَ أن هذه المعلومة تحديداً اعترضت على بثها أجهزة الأمن الإسرائيلية، وفق تقارير عبرية.
ورغم أن التقرير العبري لم يذكر الأمور التي دفعت حزب الله إلى الشكوك بشأن أجهزة الاتصال التي لديه، إلا أنه لا يُستبعد أن الاغتيالات التي طاولت قيادة بوحدة "الرضوان" رغم اتباعها بروتوكولاً أمنياً دقيقاً خلال المعركة التي اندلعت في 8 تشرين أول/أكتوبر 2023، وعدم استخدام هواتفهم النقالة.. هي التي أثارت بعض الشكوك لدى الحزب بأجهزة اتصالاته.
والحال أنه يُستنتج ضمناً من تقرير "مكان" أن تفجير أجهزة "البيجر" تسبب بورود معلومات إضافية للأمن الإسرائيلي بشأن مخازن الصواريخ "الدقيقة" وبعيدة المدى، وتلك التي كانت معدة لضرب حقل "كاريش".
اغتيال نصر الله
وتطرق تقرير "كان" إلى اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله، لكنه لم يكشف تفاصيل بشأن كيفية الحصول على المعلومة الأمنية، واكتفى بذكر أمور معروفة مسبقاً، مع تركيزه كيف أن نتنياهو أخّر نزوله إلى منصة الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك لمتابعة ساعة الصفر للاغتيال. كما تطرق إلى الجدل الذي حصل في الكابينت الإسرائيلي حينها حول تنفيذ الاغتيال أو تأجيله.
التقرير دعائي.. أكثر منه معلوماتياً
وبتحليل مضمون التقرير ورسائله الدعائية، يقول المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد لـ"المدن" إن تقرير "كان" العبري "استعراضي" وليس مهنياً، وأراد أن يزعم أن "العمليات النوعية" هي التي أدت إلى "هزيمة حزب الله"، إلى جانب مفاخرته باختراق حزب الله، ومحاولة إظهار أن قدرات الحزب الأمنية والعسكرية لم تكن منسجمة مع خطاب التحدي الذي كان يصدّره ضد إسرائيل. وأضاف شديد أن التقرير عرض الضربة "الموجعة" لحزب الله، ك"هزيمة أدت إلى تغيير الشرق الأوسط".
واعتبر تقرير "كان" أنه بالنظر إلى التجربة مع اغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليمان قبل سنوات، فإن طهران لم تتمكن من إعادة إنتاج قاسم سليماني جديد، وأن حزب الله هو الآخر "لن يتمكن من إعادة إنتاج نصر الله جديد، وأن خليفته نعيم قاسم لا يتمتع بقدراته نفسها وتأثيره".
جزء منه موجه للإسرائيليين!
وبدا أن التقرير، في جزء منه، كان موجهاً للرأي العام الإسرائيلي، من خلال محاولة إعادة الثقة في المنظومة الأمنية والسياسية، خصوصاً أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قام أخيراً وبالترافق مع بث التقرير، باستعراض ما حصل في موضوع تفجير أجهزة "البيجر" واغتيال نصر الله، في كلمة مطولة مدتها 45 دقيقة، خلال المنتدى الإعلامي اليهودي، وقد أشار إلى تفاصيل مشابهة أوردها التقرير العبري.
بدوره، أكد المتخصص بالشأن الإسرائيلي محمد أبو علان لـ"المدن"، أنّ إسرائيل هدفت من تفجير أجهزة "البيجر" إلى تحقيق أمرين: غاية عملياتية بإصابة عدد كبير من أفراد حزب الله دفعة واحدة، وثانياً رغبة إسرائيل بالتسبب بكسر الروح المعنوية للحزب.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها