والحال أن الجانب الرسمي الإسرائيلي يحاول دائماً أن يقابل الدعوات التي تستهدف وجود المسجد الأقصى، إما بالصمت أو إظهاره وكأنه دعاية فلسطينية، لكن الأكيد هو أن هذا السيناريو الخطير لو حصل، ستخرج الدعاية الإسرائيلية عندها لتدعي أن من قام بذلك هو "مجنون أو مريض نفسياً"، بموازاة مساعيها استغلال أي اعتداء مفترض على الأقصى، لتكريس واقع جديد، رغم أن تصعيد الاحتلال ضد كل شيء غير يهودي في ازدياد حاد. فعدد المستوطنين من مقتحمي ساحات المسجد الأقصى باتت بالآلاف بحجّة الأعياد اليهودية، وليست مجرد عشرات، إلى جانب ارتفاع وتيرة اعتداءات شرطة الاحتلال والمستوطنين على المسيحيين بالقدس وأماكن أخرى في المناسبات الدينية وغيرها.
يفسر ذلك تجاهل كثير من وسائل الإعلام العبرية لفيديو "الذكاء الاصطناعي" المحاكي لنسف الأقصى، بينما ارتأت صحيفة "معاريف" أن تضعه بإيعاز من "الرقابة الأمنية والسياسية" في سياق الدعاية الفلسطينية، في محاولة منها لتنفيس أي ردود أفعال أو انتقادات سياسية عربية ودولية، وأيضاً باعتبارها فرصة للترويج لزعم تل أبيب بأنها "الأقدر على المحافظة على الوضع القائم في القدس".
ومن خلال ما نشرته تحت عنوان تساؤلي "نحو انفجار الشرق الأوسط؟.. دعاية فلسطينية شديدة ضد إسرائيل".. سعت "معاريف" إلى تفريغ الفيديو من مضمونه، رغم إقرارها ضمناً في تساؤلها بأن الأمر لو حدث سيفجر الشرق الأوسط والعالم! وسط زعمها أنه يوجد "أساس رسمياً" للفيديو ورسائله.
لكن ذلك يشكل إنكاراً إسرائيلياً مقصوداً، يدل عليه ضبط الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في السنوات الماضية مستوطنين حاولوا أن يشكلوا خطراً على المسجد، وقام الاحتلال بالتستر على هذه الحالات وإخفاء المخططات والاعتقالات التي حصلت بهذا الخصوص، وجعلها ضمن "صندوق أسود" يُمنع الكشف عنه؛ لأسباب سياسية وأمنية ودعائية.
والحال أن مَن أنتج الفيديو ونشره الآن، أراد أن يحقق أكثر من هدف: جس نبض الفلسطينيين والعرب، وإعداد الأمّتين العربية والإسلامية لسيناريوهات محددة حيال المسجد الأقصى، والدفع باتجاه تقبل الفلسطينيين والعرب لواقع جديد بالنسبة للأقصى، كأن يتم تقسيمه زمانياً ومكانياً على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل، وجعله "عادياً بالنسبة لهم، من خلال تخييره بين الحرق والتقسيم وكسر الخطوط الحمر! بينما ظهر تعليق عبري على الفيديو في موقع "إكس"، يقترح عدم نسف الأقصى، بل تفريغه من المسلمين وتحويله إلى الهيكل لليهود.
41 جمعية ومؤسسة للهيكل
وينظر فلسطينيون إلى الفيديو على أنه ليس هامشياً وعابراً، بل جاء في وقت خطير، خصوصاً أن الجماعات التي تنادي بإعادة بناء الهيكل يبلغ عددها الآن أكثر من 41 مؤسسة وجمعية مرخصة من الحكومة الإسرائيلية، تتبنى خطاباً واضحاً بضرورة بناء الهيكل، ما يعني هدم المسجد الأقصى، حسبما أكد المتخصص في الشأن الإسرائيلي عادل شديد في حديث مع "المدن".
وأضاف شديد أن ما يُحاك ضد الأقصى أصبح جزءاً من الخطاب الرسمي الإسرائيلي، لأن هناك في الكنيست نحو 30 عضواً من جماعات الهيكل، وباتوا جزءاً من الحكومة، ولديهم "قوة ديموغرافية وسياسية"، إضافة إلى أنهم يرون في الوقت الحالي "فترة ذهبية" لحسم مستقبل الأقصى والضفة الغربية. وأشار شديد إلى دليل آخر على هذه التحولات الأيديولوجية والبنيوية الإسرائيلية، وهو أن عدد المستوطنين المقتحمين للأقصى الآن أصبح أكبر بكثير مما كان عليه قبل 30 سنة.
في المحصلة، تحاول جماعات الهيكل ومعها متطرفون يهود، أن تطبع التجاوزات والاعتداءات الخطيرة بحق المقدسات الإسلامية، لتجعله "أمراً عادياً" في نفوس العرب والمسلمين، سواء بالاقتحامات المتكررة والمتصاعدة للأقصى، أو حياكة مخططات خطيرة ضده. وبهذا، يبرز هدف الفيديو الرقمي كأداة لتطبيع ما يحصل الآن ومستقبلاً بخصوص الأقصى والقدس والضفة بموازاة إبادة غزة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها