الجمعة 2025/04/11

آخر تحديث: 14:04 (بيروت)

غياب الإعلام عن رصد الشفافية المالية: المعلومات غير متوافرة!

الجمعة 2025/04/11
غياب الإعلام عن رصد الشفافية المالية: المعلومات غير متوافرة!
increase حجم الخط decrease
كشفت الحرب الأخيرة في لبنان بين "حزب الله" وإسرائيل، هشاشة الدولة في خططها للاستجابة للأزمات، وضعفاً  بنيوياً في تعاطي الإعلام اللبناني مع واحدة من أهم القضايا: الشفافية المالية، تحديداً تلك المتعلقة بالمساعدات التي تدفقت على لبنان خلال الحرب وبعدها، وكيفية توزيعها وإدارتها.

ورغم الزخم الكبير الذي رافق التغطيات الإعلامية للمعارك وأحوال النازحين والانقسامات السياسية الحادة، إلا أن قضية الشفافية المالية للمساعدات ظلت شبه مغيبة عن الخطاب الإعلامي العام، ولم تتبنّ هذا الملف سوى قلة من الصحافيين، في مقدمتهم فريق وحدة الاستقصاء في قناة "الجديد"، التي أنشأت خلال الحرب "غرفة العمليات" وأطلقت صندوقاً لتلقي شكاوى النازحين حول المساعدات.

هادي الأمين: نعمل في ظل عصابات الأزمات
ويقول الصحافي في القناة هادي الأمين: "خلال الحرب، بدا البلد وكأنه مقفل في وجه المساعدات، نتيجة تفشي الفساد المتراكم منذ الأزمة الاقتصادية وانفجار المرفأ العام 2020، إضافة إلى إدراج لبنان في اللائحة الرمادية، ما أثار ريبة لدى الدول المانحة، ودفعها لفرض شروط صارمة لتقديم المساعدة".

ويؤكد الأمين: "في بلد مثل لبنان، حيث تنتعش عصابات الأزمات، تصبح ملاحقة الأموال ضرورة ملحّة. كان واجبنا كفريق استقصائي أن نضع أيدينا على هذا الملف. أردنا أن نفهم كيف تدور منظومة المساعدات، وكيف تصرفت بها المؤسسات الرسمية، من مجلس الوزراء إلى الهيئة العليا للإغاثة ولجنة الطوارئ الحكومية".

محاصصة طائفية

ورغم هيمنة الصحافة الميدانية والفيديوهات السريعة في مواقع التواصل، أصر فريق الأمين على الغوص في تفاصيل توزيع المساعدات. وأوضح: "أصرينا أن يكون عملنا بوضع اليد على موضوع المساعدات، لأنه ثبت لدينا بشكل واضح بأن المساعدات كانت توزع بطريقة غير شفافة وتمر عبر ممرات حكومية، وتوزع من قبل جمعيات معينة تحاصص طائفياً".

وأكمل الأمين، "العديد من القضايا التي تابعناها في القناة وصلت إلى القضاء، لكن معظمها سينام في الأدراج لوقت طويل. في أحد الملفات مثلأً، أظهرت الداتا التي طلبنها من بلدية بعلبك عن آلية توزيع الملفات، أنه تم إرسال خمسة آلاف اسم يفترض أن المساعدات قُدّمت لهم، لنكتشف لاحقاً 1400 اسم مكرر، ما يدل على تلاعب في الأسماء والمعطيات وتوزيعها". 

تعقيدات حيازة المعلومة

والمشكلة الأعمق، بحسب الأمين، هي غياب الشفافية البنيوية، موضحاً أن "غياب الشفافية من ناحية نشر المعلومات، التي كان من المفترض أن تنشر عبر لجنة الطوارىء ومن الهيئة العليا للإغاثة التي ثبت لنا أنها تساعد الجمعيات، وكذلك من المفترض ملاحقة الهيئات التابعة للدولة كمجلس الجنوب ما وصل إليها، وسلفات الخزينة التي تم صرفها خلال الحرب، كل هذه الداتا غير منشورة، وكانت هناك صعوبة في الحصول على المعلومات من مصدرها الدقيق".

ويتابع الأمين: "صحيح أن لجنة الطوارىء كانت تضع الداتا عبر منصة إلكترونية، لكن اتضح وجود خلل في البرمجية، فلم نستطع أن نعلم من أين أتت المساعدات ولا كيفية توزيعها، كما أن عملية تتبع هذه الملفات تتطلب مجهوداً كبيراً ووقتاً طويلاً، في ظل غياب تعاون الجهات الرسمية، واللجوء لسياسة تقاذف المسؤوليات التي تعرقل الوصول للمعلومة". ويشدد على أن الشفافية المالية في لبنان شبه غائبة، والمعلومات لا تُنشر إلا بطلب رسمي: "نفتقر إلى صحافة تدقق، وإلى خبراء ماليين واقتصاديين يساعدون الصحافيين على فهم الأرقام والمعطيات".

هذه العوائق، تؤخر عمل الصحافيين، فمتابعة ملف أو قضية مالية، يلزمها تتبع المعلومة، والتي من المفترض أن تكون حقاً للصحافيين وللرأي العام، في حين قد يحتاج الصحافيون أكثر من شهر للوصول إلى المعلومة الدقيقة، بسبب تجاهل المعنيين لطلبات الحق في الحصول على المعلومات مما يؤخر العمل الاستقصائي والرقابي، ويبدل أولويات التغطية الإعلامية. وفق ما يقول الأمين.

د.خليل جبارة: المعلومة حق قانوني! 

ويقول الدكتور والمحاضر في الإقتصاد في "الجامعة اللبنانية الأميركية" خليل جبارة: "لاحظنا من خلال متابعتنا لملف الشفافية المالية، صعوبة دائمة في الحصول على المعلومة، ليس فقط بسبب صعوبة تقديم الطلب والاستحصال على الاجابات، بل أيضاً ما يتعلق بتطبيق قانون حق الوصول الى المعلومات، إذ أن هذه المعلومات يجب أن تُنشر بشكل حكمي من دون التقدم بطلب".

ويكمل جبارة: "ليست المشكلة في غياب التوعية أو الإهتمام الإعلام اللبناني بقضايا الشفافية المالية، فلو كانت المعلومات متواجدة عبر قوانين وتنشر حكماً، ومسجلة بطريقة سهلة، ومتاحة للجميع، يمكن حينها إجراء تقييم جدي لإهتمام وسائل إعلام والقطاع الإعلامي بهذه القضايا".

إذاً، يواجه الإعلام اللبناني مشكلة عدم توافر المعلومات وصعوبة الحصول عليها. وفي العديد من المرات، لا يحصل الإعلام على المعلومة بشكل سريع، ما يؤخر نشر الخبر، ويغير أولويات التغطية. ويرى جبارة أن ذلك "ينتج علاقة بنيوية بعدم توافر المعلومات، يضطر بموجبها الصحافي إلى توظيف علاقاته الشخصية مع المسؤولين كي يحصل على هذا الحق المكفول بالقانون. وهذا يؤدي إلى عجز الإعلام عن تقييم هذه المعلومة إن كانت صحيحة أم لا".

ويحصر جبارة المشاكل التي تواجه الإعلام اللبناني في قضايا الشفافية المالية، في ثلاث: "أولها لا نشرَ حكميّاً للمعلومات. وثانياً، المعلومات المبنية على مصادر الصحافيين، لا يمكن تأكيد دقتها. وثالثاً، إن توافرت المعلومات، تكون طريقة فهمها واستيعابها وشرحها صعبة جداً، ما يصعب على الصحافيين الإستفادة منها". 

لا معلومات...لا تغطية!

أما عن انعكاسات هذه التحديات على عمل الصحافيين المعمق في ما يخص تغطية قضايا الشفافية المالية للمساعدات، فيشير جبارة إلى أنه "من الطبيعي أن يجد الصحافيون صعوبة في حيازة المعلومات التي تبقى بحاجة لتقديم طلب ومهلة لدراسته، ويمكن للإدارات المعنية الرد  سلباً أو إيجاباً في المهلة الأولى، أو طلب تمديد المهلة. وهنا تقع  الوسائل الإعلامية في مأزق سرعة الخبر، وربما تلجأ إلى إنجاز تقارير لا تستلزم معلومات".

ويعتبر جبارة العمل الصحافي المبني على مصادر اعلامية، "غير دقيق"، مثلاً خلال الحرب الأخيرة، "أنشأت لجنة الطوارىء الحكومية، منصة وضعت فيها الداتا، لكن كان من الصعب على الصحافي قراءتها واستيعاب الصور والمعلومات". ويوصي "بضرورة أن يواصل الصحافيون تسليط الضوء على صعوبة الحصول على المعلومات، وعلى آلية تطبيق قانون حق الوصول إلى المعلومات وأهميته في العمل الصحافي". 

سابين حاتم: لماذا لا نملك منصة موحدة للمعلومات؟

وأشارت الاقتصادية الرئيسية في "معهد باسل فليحان المالي" في لبنان سابين حاتم، إلى دور الإعلام في وقت الأزمات، بالإضاءة على جوانب غير واضحة للرأي العام في ما يخص المواضيع المالية، والمساعدات التي وصلت خلال  الحرب. وعادت حاتم للأزمة الإقتصادية التي أصابت لبنان موضحة أن "الإعلام لديه دور في بناء رأي وصناعة الرأي العام. ويستطيع أن ينتقد، بطريقة إيجابية، كيف تتعامل السلطة مع الأزمة الإقتصادية".

ورأت حاتم أن المشكلة الأساسية  لدى الإعلام في لبنان هي بالحصول على المعلومات. مشيرةً إلى أن "الصحافيين مرهونون بالحصول على المعلومة والوصول إلى الداتا، ليقوموا بدورهم الرقابي". وأضافت حاتم أن لبنان، الذي يتخبط في أزمات متتالية، يواجه غياباً تاماً لمنصة معلومات موحدة، رغم اعتماده الكبير على المساعدات في أوقات السلم والأزمات، ما يعيق عملية تتبع تلك المساعدات.

وأكملت حاتم بأنه قبل الأزمة الاقتصادية، كانت وزارة المالية تنشر بيانات في موقعها الإلكتروني، لكن من غير الواضح ما إذا كانت تلك البيانات سهلة الاستخدام والفهم من قبل الصحافيين، لأنها تبقى معلومات معقدة تقنياً وتفتقر إلى التبسيط والتفسير اللازم.

وأشارت حاتم إلى أن المشكلة لا تقتصر على الصحافيين، بل تطاول أيضاً الباحثين والمهتمين بالشأن المالي، حيث يواجهون نقصاً كبيراً في البيانات، فضلاً عن تشتتها في مصادر مختلفة مثل الجريدة الرسمية أو محاضر جلسات مجلس الوزراء، ما يجعل الوصول إليها مهمة شاقة ومجزأة.

وأكملت حاتم بأنه خلال الحرب الأخيرة، تم صرف سلفات مالية لصالح الهيئة العليا للإغاثة، من دون أي توضيح بشأن المسار القانوني لهذه العمليات أو ما إذا كانت قد حصلت على الموافقات الرسمية، ما يترك علامات استفهام كبيرة حول كيفية إنفاق هذه الأموال. وأوصت حاتم بضرورة تعيين ناطق رسمي أو جهة متخصصة من قبل السلطات المحلية، تكون مهمتها توفير المعلومات للصحافيين والرد على استفساراتهم، بدلاً من الاعتماد على مصادر غير رسمية. كما شددت على أهمية وجود مرجعية قانونية واضحة لإدارة المعلومات خلال فترات الحرب، لضمان الشفافية والحد من مخاطر الفساد.

(*) تم إعداد هذا التقرير ضمن مشروع "إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان". موّل الاتحاد الأوروبي هذا التقرير، وتقع المسؤولية عن محتواه حصراً على عاتق "مؤسسة مهارات" ولا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها