انطوت الاحتفالات بفوز زهران ممداني، الشيعي الاثني عشري، بمنصب عمدة نيويورك، على محاولة لبننة الاستحقاق الأميركي وتضييقه الى مستوى المشاعر الشخصية لدى سكان الجنوب اللبناني الذين وجدوا في هذا الفوز فرصة لزعم الثأر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على خلفية تأييده للحرب الاسرائيلية على لبنان.
وتضاعف الثأر الرمزي، إثر إعلان فوز عبد الله حمود، بمنصب عمدة مدينة ديربورن في ولاية ميشيغان، وفوز مو بيضون المتحدر من مدينة بنت جبيل في الجنوب، بمنصب عمدة "ديربورن هايتس" الأميركية.
واستطاع السياسي التقدمي وعضو مجلس ولاية نيويورك السابق، زهران ممداني، الفوز على غريمه أندرو كومو، وهو عمدة سابق للمدينة، ليصبح بذلك أول مسلم يقود نيويورك. أما حمود، فيفوز للمرة الثانية. وبات بيضون رئيس مجلس بلدية ديربورن هايتس رسميًا كرئيس بلدية بالإنابة، وذلك عقب استقالة رئيس البلدية بيل بزّي الذي تمّت المصادقة على تعيينه من قبل مجلس الشيوخ الأميركي ليشغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى تونس.
تندّر ومقاربات سياسية
وهذا الفوز، وجد فيه الجنوبيون اللبنانيون، ثأراً رمزياً، ضمن الأطر الديموقراطية، من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وهي إسقاطات لا تنسحب على الأميركيين من أصل لبناني، وتحديداً الذين يتحدرون من بنت جبيل أو قرى جنوب لبنان ويستقرون في الولايات المتحدة، لأن معايير الانتخابات لديهم، مختلفة عن الإسقاطات اللبنانية الضيقة، رغم أن حمود خاطب الجالية العربية أيضاً، بكتابته باللغة العربية في حساباته في الشبكات الاجتماعية، الى جانب اللغة الانكليزية.
ففي الداخل اللبناني، بُنيت سرديات انتصار، بعضها حمل طابع ساخراً، والبعض الآخر طابعاً سياسياً. وفيما تحتمل المقاربة الساخرة هذا النشر في مواقع التواصل، لتحويل لحظة تاريخية الى تندّر بانتصار مزعوم، لا يمكن اعتبار النتائج الاخيرة للانتخابات جزءاً من سياق سياسي متصل بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، بالنظر الى أن الناخب في الولايات المتحدة، ينتخب وفق معايير وحسابات أميركية محلية متصلة بمعيشته، وليس بتوجهات السياسة الخارجية بما في ذلك لبنان أو حتى الشرق الأوسط.
أسباب الفوز.. محلية صرف
وحددت صحيفة "ذا هيل" الأميركية، خمسة أسباب أدت الى هذه النتيجة. فبينما ركز كومو على قضايا الأمن والجريمة، جعل ممداني من مسألة القدرة على تحمل سكان نيويورك نفقات العيش فيها، محور حملته، مستخدماً شعارات مثل "مدينة يمكننا تحمّل تكاليفها" و"إسكان ميسور للجميع".
وتميزت حملة ممداني باتساق رسالتها منذ البداية، أي الدفاع عن الطبقة العاملة وجعل الحياة أسهل.
وحاول كومو تقديم نفسه كخبير إداري متمرس، وهاجم ممداني لافتقاره إلى الخبرة التنفيذية. لكن ممداني استخدم ذلك لصالحه، مصوراً نفسه كوجه جديد يرفض النظام السياسي القديم، في خطاب يشبه حملة ترامب العام 2016 من حيث رفض المؤسسة السياسية القائمة.
وحرص ممداني على الظهور في كل مكان، من المؤتمرات الصحافية إلى وسائل التواصل الاجتماعي وحتى الحفلات الليلية، وعقد فعالية خاصة بـ"المؤثرين" جذبت أكثر من 31 ألف بث مباشر، وظهر فجأة في نادٍ ليلي في بروكلين حيث ألقى خطاباً أمام الحضور، كما بث إعلاناته حتى على قناة "فوكس نيوز" المحافظة، في خطوة غير معتادة لمرشح تقدمي.
واستندت حملته إلى الطاقة المتجددة داخل الجناح التقدمي للحزب الديموقراطي، بمساندة من النقابات والمتطوعين والمتبرعين الصغار، ومع أن محللين أشاروا إلى أن نموذج ممداني "يناسب نيويورك تحديداً"، فإنهم وصفوا حملته بأنها واحدة من أنجح الحملات التقدمية الحديثة.
وفق هذا السياق، يتضح أن معايير انتخاب ممداني، ترتبط مباشرة بمصالح الناس، وقدرته على التأثير، وتنشيط الحركة وتطويع السوشيال ميديا لخدمته، وهي معايير غير سياسية، وغير مرتبطة بالسياسة الخارجية، وربما يكون غير مدرك للقاعدة اللبنانية التي تحتفي به، وتحاول تجعل فوزه فئوياً.
صلاحيات عمدة نيويورك
عمدة مدينة نيويورك (Mayor of New York City) هو أعلى مسؤول تنفيذي في المدينة، ويشبه رئيس حكومة محلية. وتُعدّ نيويورك المدينة الأكبر في الولايات المتحدة، لذلك فإن صلاحيات العمدة واسعة ومؤثرة على مستوى وطني أحياناً.
وينحصر نطاق سلطته بمدينة نيويورك فقط (وليس الولاية)، ويشرف على 5 أحياء: مانهاتن، بروكلين، كوينز، البرونكس، ستاتن آيلاند.
ويترأس العمدة، السلطة التنفيذية للمدينة، وتشمل إدارة المؤسسات والوكالات الحكومية في المدينة، كما يشرف على شرطة نيويورك، والإطفاء، ونظام المدارس العامة في نيويورك، والنظافة وإدارة النفايات، والإسكان والخدمات الاجتماعية، وإدارة الطوارئ، وقسم الصحة والصحة النفسية، والحدائق والطرق والمواصلات البلدية، ويمتلك سلطة تعيين أو إقالة رؤساء هذه الإدارات.
كما يضع مشروع موازنة المدينة السنوي، ويتفاوض عليها مع مجلس المدينة، وبعد المصادقة هو المسؤول عن تنفيذها. علماً أن نيويورك تمتلك واحدة من أضخم ميزانيات المدن في العالم (تتجاوز 100 مليار دولار سنوياً).
عمدة نيويورك غالباً شخصية وطنية ذات نفوذ سياسي كبير، ويمكنه اقتراح قوانين على مجلس المدينة، ويملك حق النقض (Veto) ضد القوانين التي يمررها المجلس، ويمكن للمجلس إلغاء الفيتو إذا كانت له غالبية كبيرة.
ويعتبر العمدة، القائد المدني الأعلى لشرطة المدينة، يمكنه وضع سياسات الأمن واستراتيجيات مكافحة الجريمة، ويعلن حالات الطوارئ داخل المدينة ويتخذ إجراءات استثنائية (مثل الإغلاق أو الإخلاء).
العمدة أيضاً، يمثل المدينة أمام حكومة ولاية نيويورك (الحاكم والمجلس التشريعي)، والحكومة الفدرالية (الكونغرس والبيت الأبيض)، والحكومات الأجنبية (لأن نيويورك مدينة دولية ومركز الأمم المتحدة).
