في إحدى العيادات الطبية بولاية شمال دارفور في السودان، حيث يرقد عشرات الأطفال الذين يعانون سوء التغذية على أسرّة نقالة ورجال مصابون بجروح تغطيها الضمادات بانتظار الخضوع لعمليات جراحية، تحدث المرضى عن رحلات الهروب البائسة من مدينة الفاشر بعد أن استولت عليها "قوات الدعم السريع"، الأسبوع الماضي.
وهؤلاء هم بعض من بين ما يصل إلى عشرة آلاف شخص وصلوا إلى بلدة طويلة بعد فرارهم إثر استيلاء "قوات الدعم السريع" على الفاشر القريبة، ويتلقون حالياً العلاج في العيادة التي تديرها منظمة "أطباء بلا حدود"، حسبما نقلت وكالة "رويترز".
وكانت مدينة الفاشر، التي تفشت فيها المجاعة، آخر معقل للجيش السوداني في إقليم دارفور شاسع المساحة غربي السودان، قبل أن تسقط في يد "قوات الدعم السريع" بعد حصار دام 18 شهراً. وأفاد شهود بوقوع عمليات قتل جماعي عقب استيلاء الدعم السريع على الفاشر ومازال عدد من سكان المدينة في عداد المفقودين.
وشكلت السيطرة على الفاشر نقطة تحول في الحرب المستمرة منذ عامين ونصف العام بين "قوات الدعم السريع" والجيش. وأدى الحصار إلى قطع الإمدادات الغذائية، ما أرغم عدداً من السكان على تناول علف الحيوانات أثناء بحثهم عن ملاذ للاحتماء من الطائرات المسيرة والقصف. ويعتقد أن أكثر من 60 ألف شخص آخرين فروا من الفاشر، بحسب "المنظمة الدولية للهجرة" رغم أن أماكن وجودهم غير واضحة. وربما يكون نحو 200 ألف شخص مازالوا محاصرين داخل المدينة، بحسب تقديرات سكان.
ودعا قائد "قوات الدعم السريع" محمد حمدان دقلو مقاتليه إلى حماية المدنيين وقال أن الانتهاكات ستتم ملاحقتها قضائياً. وكانت جماعات حقوقية ومسؤولون أميركيون اتهموا "قوات الدعم السريع" والميليشيات المتحالفة معها بالتطهير العرقي في دارفور في وقت سابق من النزاع. ووصف اثنان من المرضى في عيادة منظمة "أطباء بلا حدود" الأوضاع المزرية داخل الفاشر في روايات حصل عليها صحافي محلي سبق أن قدم مواد تم التحقق منها لـ"رويترز".
وقالت إحداهما وتدعى فطومة، أنه عهد إليها برعاية ثلاثة أطفال تيتموا بعد مقتل والديهم وشقيقهم في غارة لطائرة مسيرة بينما كانوا يحضرون وجبة طعام. وكان أصغرهم، وهو رضيع نحيف لا يتجاوز عمره 40 يوماً، يرقد بين ذراعيها باكياً. وكانت أخته التي تجلس بالقرب منه أصيبت في ساقها بشظية أثناء فرارها في محاولة الاختباء.
وأخرجت فطومة الطفلين من المدينة على عربة يجرها حمار مع مصابين آخرين قبل سقوط الفاشر مباشرة، لكنها صادفت جنود "قوات الدعم السريع" على الطريق. وقالت: "أجبرونا على وضع الطفل الرضيع على الأرض وأجبرونا جميعا على الانبطاح أرضاً، وأخذوا كل ما لدينا". تمكنت في النهاية من إحضار الطفل إلى عيادة منظمة "أطباء بلا حدود".
وقال المنسق في "أطباء بلا حدود" سيلفان بينيكو أن حوالي 170 طفلاً آخرين وصلوا إلى طويلة من دون مرافقين، وكان جميع الأطفال الذين فحصتهم المنظمة يعانون من سوء التغذية. وأضاف: "يصل الناس وهم يعانون من الهزال الشديد". ووجد مرصد عالمي لمراقبة الجوع يوم الاثنين أن الفاشر كانت تعاني من المجاعة قبل سقوطها، وأنه من المتوقع أن تستمر هذه الظروف حتى كانون الثاني/يناير.
وقالت العضو في فريق "أطباء بلا حدود" منى حنبلي أن العيادة استقبلت نحو ألف حالة إصابة ناجمة عن الهجمات على الطريق، وكذلك من داخل الفاشر. وكان آخر مستشفى قائم في المدينة يتعرض لهجوم مستمر وحرم من المضادات الحيوية والشاش، وهي أوضاع ترتب عليها عدم استقرار الكسور والتهاب الجروح ما يتطلب عمليات جراحية جديدة.
وقال مريض يدعى عبد الله أنه هرب من الفاشر وسط القصف المكثف وإطلاق النار. وأكمل: "خرج الناس في حالة من الفوضى، يحملون الأطفال، بعضهم في عربات تدفع باليد، والبعض الآخر على عربات تجرها الحمير، وآخرون سيراً على الأقدام. لم يكن هناك أحد غير مصاب، الجميع كانوا مصابين".
وأوضح عبد الله، الذي ينتظر إجراء عملية جراحية في عيادة "أطباء بلا حدود" بعد إصابته بعدة طلقات نارية، أنه رأى أكثر من ألف جثة على الطريق. وأضاف: "هنالك أشخاص قتلهم العطش، وهنالك أشخاص قتلهم الإرهاق، وهنالك أشخاص قتلتهم الجروح والنزيف". ولم تتمكن "رويترز" من التحقق من روايته بشكل مستقل.
وقال موظفو "أطباء بلا حدود" أنه مع وصول عدد صغير جداً فقط ممن بقيوا في الفاشر إلى طويلة، مازالت الإمدادات الطبية متوفرة بكثرة لكن المياه والمراحيض أقل. وكانت الكوليرا تفشت في طويلة خلال موسم الأمطار، وقال بينيكو أنه تم تسجيل حالة جديدة يوم الأحد، رغم أنه لم يتضح ما إذا كانت حالة معزولة أو نتيجة لتفشي المرض من جديد.
