توالت في الأسابيع الأخيرة فيديوهات تدعي توثيق دخول إسرائيليين إلى لبنان، وتجوالهم في شوارع ومناطق ببيروت وضاحيتها الجنوبية، وكان أحدثها مقطع مصور تداولته منشورات بمواقع التواصل الاجتماعي، يُظهر شاباً يتحدث اللغة العبرية، عُرّف بيهودي إسرائيلي، يقول فيه: "أنا في بيروت، بجانب تمثال رفيق الحريري الذي كان رجل أعمال ثري ورئيس وزراء لبنان".
مَن هذا؟
بالتمعن الأولي في لغة ولكنة المتحدث بالفيديو، نجد أنه ينطق العبرية بطلاقة وبمخارج حروف مطابقة لألسنة اليهود الإسرائيليين، خصوصاً طريقة لفظه حرف الراء، وهو ما يقود إلى الاستنتاج سريعاً بأنه إسرائيلي وليس مدعياً.
وبالبحث أكثر عن الشاب اليهودي الذي ظهر في الفيديو، يتضح أن اسمه آفي غولد، ويبرز كمدوّن، وقد ظهر قبل نحو أسبوعين، كـ"تريند" في مواقع التواصل، إذ جاء ضمن وفد يهودي إلى سوريا، ويُرجح أنه تنقّل عبر جنسيته الأميركية، لا الإسرائيلية التي يحملها أيضاً، مع العلم أن كثيراً من الإسرائيليين يحملون جنسيات أجنبية أخرى لتسهيل تنقلهم وسفرهم إلى دول لا تربطها علاقة بإسرائيل.
آفي زار لبنان وسوريا
ووفق ما توافر من معطيات، فإن آفي دخل لبنان عبر الحدود البرية آتياً من سوريا، وقد نشر في "تيك توك" مقطع فيديو أظهره يتجول في بيروت، ومن المؤكد أنه نشره بعد إتمامه الزيارة وخروجه من لبنان، وليس أثناء وجوده هناك؛ وذلك لدواعٍ أمنية، وهو أسلوب يتبعه الإسرائيليون الزائرون بجنسياتهم الأجنبية للبنان ودول أخرى تُصنفها إسرائيل "خطرة"، حيث دأب بعضهم على نشر فيديوهات موثقة لدخولهم لبنان، فور عودتهم إلى إسرائيل أو انتقالهم إلى مكان يعتبرونه "آمناً". في حين، تباينت المعلومات حول دخول آفي إلى لبنان وسوريا، إما بجواز أميركي أو أوروبي.
"استقبال حار في دمشق"!
ورصدت "المدن" منشوراً في "إكس" يتضمن صورة لآفي غولد أثناء زيارته، أظهرته مبتسماً وحول عنقه علم سوريا الجديدة. وعلقت إسرائيلية على صورة آفي في دمشق: "سائح يهودي زار سوريا مؤخرًا، قال إنه على عكس توقعاته، حظي باستقبال حار من قبل السكان المحليين، واحتضنه الناس وأعطوه حلوى، وأبدوا حتى رغبتهم في عودة اليهود من أصول سورية للإقامة هناك".
كما نشر آفي مقطع فيدو يوثق لحظة سيره في شوارع دمشق رفقة وفد يهودي.
والواقع أن آفي غولد أكد فعلاً في مقابلة أجراها موقع "واللا" العبري قبل نحو 11 يوماً، أنه زار لبنان بعد سوريا، لكنه لم يتحدث حينها كثيراً عن زيارته لبيروت، وركز كلامه على زيارته سوريا ضمن وفد يهودي. وزعم غولد أن بعض السوريين صرخوا له في دمشق: "شعب إسرائيل حي".
الرحّالة الإسرائيلي في دول عربية
واللافت أن آفي غولد انتظر نحو 10 أيام قبل نشره الفيديو المتعلق بزيارته للبنان، وتحت عنوان "حكاية اليهودي المسافر"، أشار إلى أنه زار معبداً يهودياً قديماً في دمشق، مفاخراً بأنه زار 150 دولة في العالم، وأن رحلته إلى سوريا "كانت مدهشة ومثيرة للإعجاب، لدرجة أنه لن ينساها"، لكنه قال في الوقت نفسه إن انطباعه أيضاً أن سوريا "ليست جاهزة بعد فعلياً لاستقبال السياح، وأن الطرق في حالة سيئة، والبنى التحتية ليست على ما يرام، وهناك انقطاعات في المياه والكهرباء، والانترنت ليست بالجودة المطلوبة".
"أماكن في لبنان.. فاجأتني سلباً"
كما أجرى موقع "كيكار هاشبات" مقابلة مع آفي غولد، اعتبر فيها أن سوريا ولبنان والعراق ومصر والسودان هي مجرد بعض "الدول الخطيرة" التي زارها، متحدثاً عما وصفها بـ"المخاطر والصعوبات"، وعن "كراهية إسرائيل والدعاية التي تتعرض لها"، وهو ما يشكل إقراراً ضمنياً منه، بأنّ هدف ترحاله وسفره هو "دعائي" لخدمة بروبوغاندا الدولة العبرية، مروراً برصده واقع الدول العربية من مسافة صفر، خصوصاً التي تعدها إسرائيل "عدوة". وبخصوص لبنان، ادعى آفي أن هناك أماكن فاجأته سلبياً في لبنان، وأخرى "إيجابياً" في السودان الذي زاره قبل 3 سنوات.. مضيفاً أنه يسعى إلى تحقيق رقم قياسي عالمي من خلال سفره وترحاله.
حريدي أيضاً دخل لبنان
وكان مراسل قناة "كان" العبرية، روعي كيس، أعد تقريراً الشهر الماضي، تضمن لقاءه الإسرائيلي الحريدي، بيني ويكسلر، الذي دخل بيروت بجواز أجنبي، وتنقل في شوارعها وفي قلب الضاحية الجنوبية، وزار كنيس "ماغين أبراهام" الذي يُعتبر المعبد اليهودي الوحيد في العاصمة اللبنانية، والتقط صوراً وفيديوهات توثق تلك الزيارة.
استغلال.. لا اختراق!
ورصدت "المدن" منشوراً إسرائيلياً تعليقاً على زيارة ويكلسر حينها، ومضمونه: "إسرائيلي في قلب بيروت، من أجل هذه الصورة، لا تحتاج إلى شرق أوسط جديد، وإنما مسافر إسرائيلي مغامر وجواز سفر أجنبي". ويقول متخصصون في الشأن الإسرائيلي لـ"المدن" إن هذه الزيارات لإسرائيليين إلى لبنان ودول عربية أخرى، لا تُعد "اختراقاً" كما يصوّرها الإعلام العبري، بقدر ما هي انتهازية واستغلال لازدواجية الجنسية التي يحظى بها معظم الإسرائيليين.
في المقابل، زعمت تقارير عبرية أن هناك لبنانيين يزورون إسرائيل سراً بجنسيات أجنبية يحملونها، ولا يوثقون تلك الزيارات بفيديوهات أو صور.
