هل يمكن أن تتحول هواتف الصحافيين والناشطين وأجهزتهم المحمولة إلى أداة ابتزاز بيد الأجهزة الأمنية؟ سؤال طرح في إحدى جلسات منتدى "خبز ونت" الذي تنظمه منظمة "سمكس" في بيروت، ضمن جلسة بعنوان "تفريغ الأجهزة عند الاعتقال: حماية البيانات بين المعايير الدولية والسياق المحلي".
أتت الجلسة لتقدم صورة شاملة عن تجارب لبنانية وعربية تتقاطع فيها الأنظمة في قوانينها وأساليبها، من أجل تقييد عمل الصحافيين والناشطين خصوصاً في دول مثل العراق ولبنان. وأدار الجلسة حيدر حمزوز، مؤسس أول جمعية للحقوق الرقمية في العراق "أنسم"، تناولت بشكل خاص تجربتي لبنان والعراق، حيث تصادر الأجهزة الرقمية خلال الاعتقالات وتفرغ بياناتها في ظل غياب ضوابط قانونية واضحة أو رقابة مستقلة.
وتحدث الصحافي مهدي كريم من "سمكس"، عن ظاهرة تفريغ أجهزة الهواتف في لبنان، التي بدأت تتكرر منذ الاحتجاجات الشعبية في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019. موضحاً أن الإطار القانوني الذي ينظم هذه العمليات يبقى غير واضح "وغالباً ما يستغل أو يتحايل عليه بسبب ممارسات غير مشروعة من جانب السلطات، رغم أن لبنان قد وقع على العديد من المعاهدات الدولية التي تؤكد على حماية الحق في الخصوصية". وأضاف كريم أن "الدستور اللبناني يكرس هذا الحق ولو لم يرد بشكل صريح، وثبّت المجلس الدستوري هذا المبدأ في قرار صدر العام 1999".
أما على المستوى التشريعي، فأوضح كريم: "يسمح قانون أصول المحاكمات الجزائية المعدل العام 2001 للقاضي بإصدار أمر بضبط الأجهزة، فيما منح القانون رقم 140 الصادر العام 2009، بعض الجهات التنفيذية صلاحية إصدار أوامر مماثلة، لكن بشروط محددة أبرزها أن يكون القرار مبرراً ومكتوباً، وأن يتخذ فقط في حالات الضرورة القصوى".
وختم كريم مداخلته، عن قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، "الذي أقر العام 2018، ونقل صلاحية التفتيش وضبط الأجهزة خلال التحقيقات من قاضي التحقيق إلى النيابة العامة، من دون وضع أي قيود واضحة على ممارسة هذه الصلاحية".
وعن التجربة العراقية، أشار ناشط الحقوق الرقمية من مؤسسة "أنسم" مهدي أحمد، إلى أن المشهد العراقي بدأ أيضاً مع احتجاجات بغداد في تشرين الأول/أكتوبر 2019، حين أدى التصعيد الأمني والسياسي إلى انتهاكات متكررة استهدفت الصحافيين والناشطين والمحتجين، من بينها مصادرة الهواتف وتفتيشها، وأحياناً التقاط صور للمشاركين في التظاهرات، لملاحقتهم فيما بعد.
وأشار أحمد "إلى أن هذه الممارسات، لا تقتصر على الأذى الفردي، بل تمتد لتؤثر بشكل مباشر على المشاركة السياسية وكشف ملفات الفساد وتوثيق الانتهاكات"، مضيفاً أن "الخطر الأكبر يكمن في استخدام البيانات والأرشيفات المصادرة كمواد دليلية تعيد تشكيل علاقة المواطن بالفعل العام، فمجرد الخوف من استغلال الرسائل أو الصور أو لوائح الأسماء ضد أصحابها ربما يردع الناس عن المشاركة أو الظهور العلني".
هذه الممارسات الممنهجة، سواء في لبنان والعراق، وبعض الدول العربية الأخرى "تنعكس مباشرة على حرية التجمع والتعبير، وتفرض الحاجة إلى تشكيل لوبي ضاغط للمطالبة بقوانين تحمي الخصوصية الرقمية والبيانات الشخصية في العراق"، بحسب أحمد الذي تأسف لعدم وجود قوانين عراقية حديثة تحمي عمل الصحافيين أو تمنع السلطات الأمنية من إجبارهم على فتح هواتفهم أثناء التحقيقات، في غياب حضور محامين أو إذن قضائي واضح.
وأضاف أحمد أن "السلطات مازالت تستند إلى قانون العقوبات العراقي الصادر العام 1969، وهو قانون أقر قبل ظهور الإنترنت، ولم يتبن المشرعون أي استراتيجية جديدة لحماية الصحافيين أو الناشطين. بل على العكس، يتم استغلال القانون ومبدأ الاجتهاد القانوني في الجرائم الإلكترونية كأداة قمعية بدل أن تكون أداة حماية".
وتتقاطع التجربتان اللبنانية والعراقية، مع دول عربية أخرى عند نقطة أساسية: "استخدام التكنولوجيا كوسيلة سيطرة" بدلاً من أن تكون أداة للحرية. ففي غياب قوانين واضحة تحمي البيانات الرقمية وخصوصية الأفراد، تتحول الهواتف والحواسيب من أدوات توثيق ونشر للحقائق إلى أدوات ابتزاز ومراقبة بيد الأجهزة الأمنية، ما يهدد جوهر حرية الصحافة والعمل المدني في المنطقة.
وخلصت الجلسة إلى توصيات على المستوى اللبناني صادرة عن دراسات عملت عليها "سمكس" سابقاً، ومنها "تعديل مواد من قانون المعاملات الإلكترونية، والبيانات ذات الطابع الشخصي بهدف إضافة قيود على عمليات الولوج إلى الأجهزة الشخصية والتفتيش فيها، لصون الحق بسرية المخابرات، وذلك بهدف إخضاع عملية التفتيش في الأجهزة للإجراءات المرتبطة باعتراض الاتصالات الخاصة، وليس تفتيش المواد".
ومن التوصيات أيضاً "مطالبة النائب العام التمييزي بإصدار إرشادات واضحة حول شروط عمليات التفتيش في الأجهزة وضبطها، من شأنها احترام مبادئ الشرعية، والضرورة، والنسبية في انتهاك الخصوصية"، وأخيراً "نقل صلاحية الأوامر القضائية حصراً إلى قاضي التحقيق، لأن المدعي العام يبقى طرفاً في الدعاوى القضائية، ما قد يؤدي إلى إصدار أوامر متحيزة. والامتناع عن مصادرة الهواتف والأجهزة الأخرى لدى استدعاء الأفراد للاستجواب، إلا في حال وجود أمر قضائي يستدعي ذلك".
