عاد ملف مكافحة الفساد إلى واجهة النقاش السوري بعد انتشار مقطع مصور من داخل مديرية الجمارك العامة يظهر مديرها خالد البراد وهو يقوم بفصل أحد العناصر بشكل مباشر وأمام زملائه، بعد ضبطه متلبساً بتلقي رشوة من أحد سائقي الشاحنات عند معبر جمركي.
وحصد المقطع الذي انتشر بسرعة في وسائل التواصل تفاعلاً واسعاً واستحساناً كبيراً من السوريين، الذين اعتبروا الواقعة "رسالة واضحة بأن زمن المحسوبيات انتهى"، ودليلاً على تغيير حقيقي في سلوك الدولة تجاه الفساد.
وظهر البراد في الفيديو محاطاً بعدد من العناصر أثناء استجوابه الموظف المتهم، مؤكداً أن "قبول الرشوة كارثة حقيقية، خصوصاً إذا صدرت عمّن شاركوا في ثورة ضد القمع والفساد"، وأضاف أن ما جرى "لا يمس سمعة الجمارك فحسب، بل يسيء إلى كل الدماء التي سقطت للوصول إلى الدولة التي نحلم بها"، معلناً قراره الفوري "بفصل العنصر وطرده من الخدمة"، محذراً بأن أي موظف يضبط في واقعة مشابهة سيفصل فوراً ومن دون تردد.
ورأى كثير من السوريين في ما حصل خطوة رمزية تعبر عن مرحلة جديدة، وكتب أحد المعلقين: "إنها سوريا يا رجال، هنا الدولة وهنا العدل"، فيما قال آخر: "هذه ليست دعاية، بل رسالة أن الدولة تحاسب المخطئ أياً كان"، بينما اعتبر آخرون أن المشهد يستحق التقدير لأنه يكرس مبدأ الشفافية من داخل المؤسسات لا من خارجها.
ويأتي هذا الحدث في سياق حملة أوسع تتبناها الحكومة المؤقتة لمكافحة الفساد والرشوة في المؤسسات العامة، إذ نص الإعلان الدستوري المؤقت الصادر في آذار/مارس 2025 على إنشاء آليات رقابية مستقلة وإلغاء الحصانات الإدارية التي كانت تعيق المحاسبة في عهد النظام السابق. كما أطلقت الحكومة "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية" ومنصة إلكترونية لتلقي الشكاوى، ما أتاح للمواطنين الإبلاغ عن حالات استغلال أو ابتزاز في الدوائر الرسمية.
لجان تدقيق
وشُكّلت، في وزارة الداخلية، خلال الصيف الماضي، لجان تدقيق لمراجعة بلاغات تمس نزاهة عناصرها، ونشرت نتائج التحقيقات للرأي العام عبر مؤتمرات وتصريحات رسمية للناطق باسم الوزارة نور الدين البابا، في خطوة غير مسبوقة على صعيد الشفافية المؤسسية. كذلك أصدرت وزارة التعليم العالي سلسلة قرارات بفصل إداريين وضبط تجاوزات مالية داخل الجامعات والمعاهد ضمن سياسة وصفتها بـ"التطهير الإداري التدريجي".
وشهدت مؤسسات أخرى إجراءات مشابهة كان أبرزها إحالة مدير في وزارة التموين إلى التحقيق بتهمة قبول "هدايا" من موردين، وفصل موظفين في مؤسسة الإسكان بعد اكتشاف تلاعب في عقود الإعمار فضلاً عن حملة تفتيش داخل مكاتب النقل في حلب أُعلن خلالها عن توقيف سبعة موظفين تورطوا في تسهيل معاملات مخالفة مقابل مبالغ مالية.
