تداول ناشطون وصحافيون مقطعاً مصوراً من داخل المبنى السابق لفرع الأمن العسكري في حلب، والذي جرى تأهيله حديثاً ليصبح مقراً لتلقي شكاوى المواطنين تحت مسمى "قيادة الأمن الداخلي في محافظة حلب"، في خطوة وصفت إعلامياً بأنها محاولة لتحويل أحد أشهر رموز القمع إلى واجهة جديدة لمسار المساءلة.
ووثق الفيديو الذي نشره "تلفزيون سوريا" وصوره الصحافي ومدير المكتب التنفيذي لإعلاميي حلب معتز خطاب جولة داخل المبنى الذي أعيد تأهيله حديثاً، ليبدو عصرياً مع شاشات تفاعلية ونظام لأخذ الدور وغرف مقابلات مزودة بكاميرات تسجيل صوت وصورة مع إشارة إلى تفاصيل إضافية مثل خدمة نقل مجانية لذوي الإعاقة وضمانة توثيق الجلسات واستقبال الشكاوى من مواطنين ضد أيّ موظف أو عنصر أمن داخلي.
ويرتبط الفرع المعروف برقم 290 بشبكة شعبة المخابرات العسكرية جهاز التحقيق والضبط الموازي للقضاء زمن نظام الأسد المخلوع، والذي وثقته تقارير أممية وحقوقية بوصفه جزءاً من منظومة الاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء، وهو الأمر الذي يفسر لماذا حمل الفرع سمعة "الفزع العام" عبر عقد كامل من الحرب وما سبقها، وكيف غدا اسمه مرادفاً لغرف التحقيق السرية ومسارات الاعتراف القسري، وعليه فإن تحويل هذه المساحة إلى قسم للشكاوى يشكل في بنيته فعلاً سياسياً ورمزياً ضمن مسار يفترض أن يرسّخ الشفافية والمحاسبة بدلاً من الإنكار والقمع.
ويأتي هذا التحول المحلي في حلب بوصفه جزءاً من سياق أوسع؛ إذ كانت وزارة الداخلية قد أعلنت في حزيران/ يونيو الماضي عن افتتاح "دائرة شكاوى المواطنين" في دمشق، ووصفتها بأنها خطوة لتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسة، مع وعود بالتوسع نحو محافظات أخرى، ونشرت حينها صور من داخل المقر الجديد الواقع خلف مبنى الوزارة في المرجة، وأعلن عن رقم ساخن لتلقي البلاغات.
إلى جانب ذلك، يمكن رصد مسار موازٍ يتعلق بإزالة الرموز البصرية للنظام السابق أو إعادة توظيف مقاره السياسية؛ إذ جرى مؤخراً تخصيص مقر حزب البعث في مدينة السويداء لمصلحة فرع لجامعة دمشق، بموجب قرار صادر عن وزارة التعليم العالي. كما أُزيلت كل تماثيل الأسد وصوره الضخمة، وأبرزها الجدارية في أوتستراد حرستا عند مدخل دمشق الشمالي، كما حُوّل عدد من مقار حزب البعث في الساحل السوري ومناطق أخرى إلى مراكز ثقافية أو مبانٍ خدمية في سياق كسر الهيمنة الرمزية للبعث على الحيز العام.
