نعيم قاسم للخطابات.. وليس للمقابلات التلفزيونية

رين قزيالثلاثاء 2025/10/28
نعيم قاسم
كيف يعلن عدد الصواريخ التي جهزها العسكريون للإطلاق يومياً، مما يصوب مثلاً تقديرات اسرائيل عن ترسانة حزب الله
حجم الخط
مشاركة عبر

لم يختبر "حزب الله" طوال السنوات الماضية، خطاب الواقعية السياسية، كخطاب أمينه العام نعيم قاسم في ثاني مقابلاته التلفزيونية منذ توليه موقعه، والتي عرضتها قناة "المنار" مساء الأحد. لم يقفز الرجل فوق إمكانات حزبه. أظهر تواضعاً في القدرات، وخفّض سقف توقعات مناصريه بشأن المواجهة العسكرية المقبلة مع إسرائيل، تاركاً لنفسه مساحة نفاذ من التزامات تطالبه بها بيئته، ورمى المسؤولية على الدولة. 

 

ولم يكن ممكناً التوقع من قاسم نفسه أكثر من ذلك. الرجل غارق في السياسة المحلية، لا في الشعبويات، ويتبنى مبدأ الوضوح. لا يسهب في شرح ما لا يتقنه، ولا يدّعي المعرفة بالشؤون العسكرية، ولا يجيد مخاطبة الناس بما يريدون سماعه، بل يخاطبهم بما يستطيع، وبما يملك.. حدد أدنى سقوف قدرات الحزب منذ العام 2000، وهو ما يفسّر عدم شعبية الرجل، بالقَدَر الذي حازه سلفه حسن نصر الله. لكنه في الوقت نفسه، قال ما يعفيه في المستقبل من أي مساءلة جماهيرية، وما يمكّنه من تحاشي الاتهامات بالتضليل والتضخيم. 

 

ومع أن قسماً كبيراً من جمهور الحزب، حاول تأويل التصريحات على أنها "تقيّة" و"واقعية" و"خفض لسقف التوقعات"، وصولاً الى اعتبارها جزءاً من التزامات سياسية تجاه الدولة اللبنانية التي تحوّل الحزب، في عهد قاسم، باتجاهها، وتخلّى عن الطموحات الإقليمية.. إلا أن المقابلة التلفزيونية التي بدت تكريمية له، لا تتطابق مع ضرورات الإطلالات التلفزيونية، ويصحّ الخطاب فيها، حصراً، لتلاوة نقاط سياسية تعلن الموقف، من دون ملء الحواشي بتفاصيل بصرية، لا تراعي المرحلة. 

 

ثغرات في الجانب السياسي

وكشفت المقابلة الأخيرة، أن قاسم، الذي بدا عقلانياً، لا يجيد الدبلوماسية في تصريحاته. يفترض أن موقعه يتطلب إخفاء بعض الآراء والمواقف، وهو ما لا يجيده. على سبيل المثال لا الحصر، كيف يمكن لأمين عام الحزب أن يطالب رئيس الحكومة، وهو رئيس السلطة التنفيذية، بإبداء رأي، وألا يحول رأيه الى خطوة تنفيذية؟ وكيف له أن يغرق في في تفسير "الأغطية السياسية" المتوافرة لـ"المقاومة"، بعد رفع الغطاء السياسي عنها في جلسة 5 آب الماضي؟ ألم يكن من الجائز الاقتضاب، والاكتفاء بموقف الحزب الذي يدعو الحكومة للتراجع عن قرار 5 آب، من دون تفسير تداعياته؟ 

 

وعادة ما تكون تلك المواقف، من أسرار العمل السياسي. يفكر السياسي بتلك الطريقة، ويناقشها مع معاونيه ومستشاريه، من دون إخراجها الى العلن. كان قاسم في هذه النقطة، واضحاً وشفافاً الى مستوى غير مسبوق في الحزب، وغير معهود في الأدبيات السياسية، علماً أن الرجل، في سائر إطلالاته التلفزيونية قبل "حرب الإسناد"، وخصوصاً في فترات الانتخابات أو الأزمات الحكومية، كان دقيقاً، يقول الموقف من دون شرح، ولا يكشف الخيارات والمبررات والهواجس وتفاصيل المداولات الداخلية.

 

 

أسرار عسكرية

ينسحب هذا النمط من الوضوح السياسي، على الشق العسكري الذي لم يُخفِ قاسم أنه لا يعرف تفاصيله. كيف لزعيم حزب أن يكشف أسرار ودوافع عملية عسكرية فشلت في اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ وكيف يتلو على الهواء أرقاماً عن عدد الصواريخ التي جهزها العسكريون للإطلاق يومياً، مما يصوّب مثلاً تقديرات اسرائيل عن مؤشرات الترسانة ونوعها؟ وفي ظل النقاش حول السلاح، هل تحمل تصريحاته رسالة عن عدم وجود فائض قوة لدى حزبه؟ 

 

إبتسامات متكررة

تتراكم الملاحظات المفاجئة في مقابلة قاسم، لتطاول الجانب الشخصي من تاريخه الذي استفاض فيه، ومن بينها الكشف عما هو غير مضطر لكشفه في هذا الوقت، ويدخل في إطار المذكرات.. لكن فوق ذلك، لم تفارق الابتسامة وجهه في ختام كل سؤال. ربما يتمتع قاسم بشخصية مرحة، ويتعاطى مع الأمور بواقعية ولا يتردد في الحديث عنها بشفافية، لأنها جزء من شخصيته التي ظهرت في المقابلة... 

 

لكن تلك الابتسامات، جاءت في لحظات مؤثرة، في غضون ارتفاع عدد الشهداء يومياً، وما زال عشرات الآلاف غير قادرين على العودة الى منازلهم وقراهم، ويسكن الحزن مئات العائلات التي فقدت أحبّة في الحرب. من شأن تلك الابتسامات أن تدفع بانتقادات له، إسوة بانتقادات طاولت تصريحه في المقابلة الأولى حين قال إنه كان يقرأ الكتب في أوقات فراغه في مقره خلال الحرب الموسعة، ولو أنها سلوك طبيعي وجزء من السياق الإنساني للقائد، لكن الكشف عنه عبر الإعلام غير مناسب، عُرفاً، مما يفضي الى أن المقابلات التلفزيونية لا تخدمه في هذا التوقيت، أو هكذا يرى مراقبوه من بعيد. 

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث