حذفت شركة "ميتا" حساب الصحافي والمصور الراحل صالح الجعفراوي من "إنستغرام" بعد استشهاده في غزة، رغم أن عدد متابعيه تجاوز أربعة ملايين متابع.
وأثارت الخطوة جدلاً حول من يملك الحق في التحكم بالذاكرة الرقمية، ومن يقرر بقاءها أو محوها، فيما أدى
الحذف المفاجئ لتكرار اتهامات للشركة العملاقة بممارسة "رقابة خوارزمية ممنهجة ضد المحتوى الفلسطيني"، من قبل ناشطين مؤيدين للفلسطينيين يرون في هذه الممارسات "إبادة رقمية" موازية للواقع الميداني، وجزءاً من محاولات لـ"طمس الأدلة على جرائم الحرب الإسرائيلية".
ورغم أن "إنستغرام" يتيح لعائلات المتوفين طلب حذف حساباتهم، تشير معطيات منشورة إلى أن عائلة الجعفراوي لم تتقدم بأي طلب رسمي، خصوصاً أن حسابه في "إكس" استخدم بعد استشهاده لنشر وصيته الأخيرة، ما يعزز الانطباع بأن العائلة لم تكن تنوي إغلاق حسابه أو حذف محتواه، مع الإشارة إلى أنه لم يقتل على يد إسرائيل، بل برصاص "عصابات خارجة على القانون" خلال اشتباكات عنيفة في حي الصبرة جنوبي مدينة غزة، والتي اندلعت بين عناصر من "وحدة سهم" التابعة لحركة "حماس" ومسلحين من عائلة دغمش، التي تتهمها "حماس" بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وقالت المنسقة الإعلامية في مؤسسة "صدى سوشيل"، نداء بسومي، المعنية بالحقوق الرقمية في فلسطين، لـ"المدن"، أن حساب الجعفراوي حذف خلال ساعة واحدة فقط من استشهاده. وأوضحت أن الحساب كان يضم "محتوى توثيقياً لجرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين على مدى عامين"، مؤكدة أن الحذف ليس صدفة بل جزء من سياسة ممنهجة لاستهداف الحسابات الفلسطينية التي توثق الانتهاكات الإسرائيلية. وأضافت أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الجعفراوي للحذف، بل أغلقت "ميتا" حسابه خلال الحرب الأخيرة قبل استشهاده، وبقي محجوباً لأكثر من شهرين قبل استعادته لاحقاً.
وأشارت بسومي إلى أن "صدى سوشيل" رصدت حذف مقاطع فيديو عديدة خلال الحرب الأخيرة، أبرزها تلك التي وثقت قصف "مستشفى الشفاء"، والتي أزالتها "ميتا" رغم أن تحقيقاً صادراً عن الأمم المتحدة أكد مسؤولية الجيش الإسرائيلي عنها. كما رصد حذف مقاطع فيديو أخرى توثق حرق خيام النازحين في رفح في مايو/أيار 2024، في "فايسبوك" و"إنستغرام". وبحسب بسومي، يمكن تمييز مرحلتين واضحتين في تعامل "ميتا" مع المحتوى الفلسطيني منذ اندلاع الحرب في غزة التي أشعلها هجوم "حماس" على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وفي المرحلة الأولى إثر بداية الحرب، غيرت الشركة سياساتها ثلاث مرات خلال الأسابيع الأولى، تحت عنوان "حرب حماس – إسرائيل"، بطريقة اعتبرتها منحازة للرواية الإسرائيلية.و تضمنت التحديثات حذف الحسابات التي أنشئت بعد معركة 2021، بدعوى ارتباطها بحركة "حماس"، حتى بأثر رجعي.
أما المرحلة الثانية، فبدأت بعد نحو ستة أشهر من الحرب، إثر ضغوط دولية من منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية "أمنستي" و"الأمم المتحدة"، التي طالبت بالتحقيق في "تواطؤ شركات التواصل الاجتماعي في قمع المحتوى الفلسطيني".
وبحسب بسومي، تعمل "صدى سوشيل" منذ العام 2017 على الدفاع عن الحقوق الرقمية الفلسطينية، وتعد شريكاً موثوقاً (Trusted Partner) لمنصات مثل "تيك توك" و"ميتا"، حيث نجحت المؤسسة في استعادة أكثر من 80% من الحسابات المحذوفة في "تيك توك"، لكن التعاون مع "ميتا" "يواجه صعوبات كبيرة بسبب غياب سياسة شفافة وواضحة تحدد ما هو المسموح والممنوع"، مشيرة إلى أن قرارات الحذف تخضع أحياناً لـ"مزاجية الموظف" الذي يراجع المحتوى في تلك اللحظة. وأكملت بسومي أن "الغموض يعزز ازدواجية المعايير": "حين يكتب المستخدم الفلسطيني عبارة مثل الموت لإسرائيل يحذف حسابه فوراً، بينما تترك منشورات لمسؤولين إسرائيليين كـنتنياهو وبن غفير يدعون علناً إلى القتل والإبادة ومنع المساعدات دون أي إجراء من المنصة." وختمت بالتأكيد على أن "صدى سوشيل" ستواصل جهودها في توثيق الانتهاكات الرقمية ومساءلة الشركات العالمية حول تقييدها الممنهج للمحتوى الفلسطيني.
من جانبه، رأى خبير السوشيال ميديا حسين زهوي أن ما جرى مع حساب الجعفراوي "يكشف حجم الانحياز الخوارزمي في سياسات ميتا تجاه المحتوى الفلسطيني". وقال لـ"المدن" أن "المتابعين فوجئوا بإغلاق الحساب من دون أي إذن من عائلته أو جهة قانونية، رغم أن محتواه كان يوثق الواقع الإنساني في غزة بعدسات من يعيش المعاناة نفسها". وأضاف زهوي أن ما حدث يمثل "سابقة خطيرة في إدارة المحتوى الرقمي"، لأن أي منصة لا تملك الحق في حذف أو التصرف ببيانات مستخدم بعد وفاته، خصوصاً إذا كان الحساب يحمل قيمة توثيقية وإنسانية، مضيفاً أن الحادثة لا يمكن فصلها عن القيود الممنهجة التي تفرضها "ميتا" على أي محتوى يتناول "القضية الفلسطينية"، حتى بات اسم الجعفراوي نفسه أو كلمات معينة كافية لتقييد المنشورات أو إخفائها من خوارزميات العرض.
ومن منظور تقني وقانوني، رأى زهوي أن غياب الشفافية وآلية التعامل مع حسابات الناشطين بعد وفاتهم يشكل ثغرة خطيرة في منظومة الحقوق الرقمية، داعياً إلى إنشاء ميثاق دولي لحماية المحتوى الإنساني والذاكرة الرقمية بعد الوفاة.
