لم تترك صحيفة "نداء الوطن" فرصة لمعارضي "حزب الله" من أهل الجنوب، للتنديد بحملة التخوين التي تطاولها، بعد عنوان قاسٍ، على الأرجح ليس مدروساً بأبعاده السياسية والاجتماعية والوطنية، سألت فيه عما إذا كان الاجتياح الاسرائيلي للبنان، هو الحلّ!
لا يمكن تصوّر العنوان الذي تصدر الصفحة الأولى في الجريدة السبت، خارج سياق التقدير بأنه "هفوة كبيرة"، لم تُحسب تداعياته السياسية والاجتماعية قبل افتعاله! نعم افتعاله، وليس صياغته، لأن العنوان "المثير"، يحذر من احتلال إسرائيلي لكل لبنان في حال عدم إعلان "حزب الله" عن استسلامه لإسرائيل..
استفزاز لموقف الدولة
والواقع أن هذا العنوان، وبمعزل عن تأويلاته العاطفية المختلفة، هو استفزاز يتخطى الحزب ليطاول كل لبنان، بكل مكوناته السياسية والمذهبية، والدولة، حكماً، التي ترفض المفاوضات تحت النار والاحتلال، والتي أكدت نقاشاتها على أعلى مستويات الهرم السياسي، أن التطبيع غير مطروح، خلافاً لما أتى عليه الكاتب الذي تحدث عن "طوق ياسمين" حول إسرائيل "يمتد من لبنان إلى سوريا والأردن ومصر"..
يقطع هذا العنوان آخر فصول الودّ بين الصحيفة والمكونات التي ترفض أن تعيش تحت الاحتلال، كونه يأتي في لحظةٍ لا تزال فيها أصوات القصف تتردّد في جنوب لبنان، والمسيّرات تجوب مختلف أنحاء البلاد من جنوبه إلى عاصمته إلى بقاعه. فالعنوان لم يُستقبل كإشارة صحافية أو تساؤلٍ سياسي، بل كاستفزازٍ صريحٍ في بلدٍ أنهكته الاجتياحات والحروب. ومع استمرار العدوان الإسرائيلي وسقوط المدنيين يوميًا، يبدو المانشيت مساساً بالذاكرة الوطنية والوجدان العام.
اتهامات بتبرير الاجتياح
ثقل العنوان، شرّع انتقادات جاءت متتابعة من صحافيين وناشطين ومتفاعلين في مواقع التواصل، إذ اعتبر بعضهم أنّ العنوان يحمل تلميحًا لتبرير الاجتياح ولو في شكلٍ تساؤلي. وذهب كثيرون إلى أنّ خطاب الجريدة تجاوز مسألة الخصومة السياسية مع فريقٍ معين، واتّخذ طابعًا تحريضيًا لا يكتفي بمهاجمة خصمٍ داخلي، بل يفتح الباب على تحريضٍ يتجاوز حدود الانقسام السياسي إلى المسّ بالوجدان الوطني، مما يجعل العنوان أقرب إلى لغة كراهية.
وتقاطع المعلّقون عند فكرةٍ أساسية مفادها أنّه لا يحقّ لصحيفة لبنانية أن تلمّح، ولو استنكاريًا، إلى فكرة الاجتياح، لأنّ ذلك يعني تسويغًا ضمنيًا لعدوانٍ على الوطن بأسره، لا على طرفٍ سياسي أو مجتمعٍ معيّن، ثم يُقرأ على أنه اعتداءً على الوعي، لا على المهنة فقط.
مراجعة؟
يستحق هذا المانشيت مراجعة من الجريدة، بالنظر الى أنه لا يمكن اختصاره بسوء تقدير، بل يشير إلى إخفاق في فهم لحظةٍ وطنيةٍ حرجة، حيث تكون الكلمة مسؤولية لا مجازفة، وسؤال العنوان ليس رأيًا بل موقفًا يطاول كرامة وطنٍ بأكمله. هذا في السياسة، أما في الإعلام، فيكشف عن أزمة أعمق في فهم دور الإعلام ومسؤوليته الوطنية. فالكلمة، حين تُستخدم خارج سياقها الأخلاقي، تتحوّل من وسيلةٍ للتعبير إلى أداةٍ لتغذية الانقسام. وتؤكد هذه الحادثة أنّ حرية الصحافة لا تكتمل إلا بوعيٍ وطنيٍّ يوازن بين الحق في النقد واحترام وجدان الناس.
