إيروتيكا الذكاء الاصطناعي.. اختبار للأخلاق والقانون والسوق

مصطفى الدباسالأحد 2025/10/26
أحمر شفاه (غيتي)
معظم الـDeepfake المتداول اليوم ذو طابع إباحي وغير توافقي (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

 

لم تكن جملة سام ألتمان، المدير التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" التي طورت برنامج الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" والذي يعتبر الاختراع الأكثر تأثيراً في القرن الحادي والعشرين، عن معاملة البالغين كبالغين، مجرد مزحة على منصة "إكس". 

وفقاً لألتمان، سيسمح "تشات جي بي تي" ابتداء من كانون الأول/ديسمبر 2025، بإنتاج محتوى إباحي لمستخدمين بالغين متحقق من أعمارهم، وهو ما وضع المنصة الأكبر في الذكاء الاصطناعي في قلب أقدم سجال حول حرية البالغين وكيف يجب أن تتقاطع مع واجب الحماية، وكيف يمكن ضبط تكنولوجيا قادرة على إنتاج محاكاة جنسية مقنعة ورخيصة وسريعة، بلا جسد بشري؟

 

اقتصاد المحتوى الجنسي

ويختبر هذا القرار بنية اقتصاد المحتوى الجنسي ككل، فالسوق الذي شهد في العامين 2024–2025 قفزة في رفاق الدردشة و أفاتارات إيروتيكية مخصصة حسب الطلب، يتجه الآن إلى معادلة جديدة بكلفة إنتاج منخفضة جداً مع تخصيص شديد الجاذبية لبعض الشرائح، وقدرة على التحديث اللحظي.

ويمكن وصف هذه الظاهرة الجديدة بأنها تغييراً دراماتاكياً لقواعد لعبة إنتاج المحتوى الإباحي، وما نراه اليوم يبدو على أنه انقسام واضح في السوق بين اتجاه يتبنى محتوى إيروتيكياً مولداً كلياً بالذكاء الاصطناعي، مستنداً إلى تخصيص عال وكلفة منخفضة، واتجاه مضاد يراهن على "الأصالة" والعلاقة المباشرة بين صانع المحتوى الإباحي والزبائن المشتركين عبر منصّات الاشتراك على غرار"OnlyFans"، حيث تشدد المنصات على حظر التزييف العميق "Deep fake" غير التوافقي وتشترط وسم أي محتوى مولد بالذكاء الاصطناعي إن سمح بها، بما يكشف اختلافاً في تفضيلات الجمهور تبعاً لطبيعة المنصة ونمط الاستهلاك.

وقريباً سيصطدم ممثلو وممثلات البورنو بحقيقة مزدوجة، حيث ستضغط الافاتارات على الأعمال منخفضة الميزانية أو الروتينية فيما قد ترتفع قيمة الأداء الحي، حيث يدفع المشترك أجور اشتراك مقابل الأصالة في المحتوى والعلاقة القائمة على الثقة لا اللقطة وحدها.

 

ملاحقة منصات

ويتجاوز اليوم هذان الاتجاهان منصات أو أدوات تحتفي بالاصطناعي الخالص، وأخرى تضيق عليه أو تلزمه بالوسم وبحدود الموافقة، مع ضغوط كبيرة تقوم بها هيئة التجارة الفدرالية الأميركية بدورها، حين لاحقت مشغلي مواقع ضخمة على تقصيرهم في حماية القاصرين ومنع المحتوى غير التوافقي، في إشارة إلى أن المواقع والسيرفرات التي توفر خدمات البورن، فضلاً عن آليات الدفع والبحث باتت جزءاً من خطة المراقبة الصارمة.

لكنّ ما ينبغي أن يبقى فوق كل سجال، هو موضوع المحتوى الإباحي المتعلق بالقصر سواء كان "أصيلاً" أو مولداً بالذكاء الاصطناعي، إذ تظهِر تقارير "المؤسسة البريطانية لمراقبة الإنترنت" ومعها تغطيات صحافية متقاطعة، طفرة صادمة في صور وفيديوهات مولدة بالذكاء الاصطناعي خلال النصف الأول من العام 2025، حيث أنتجت مقاطع شبه سينمائية يصعب تمييزها، الأمر الذي دفع لندن إلى إدراج الجرائم والأدوات المرتبطة بهذه المواد ضمن حزم تشريعية جديدة وتجريم النماذج المولدة بالذكاء الاصطناعي وتستخدم للإنتاج، فيما تسجل أوروبا والولايات المتحدة وآسيا أحكاماً وتحركات متسارعة، ما يجعل إنتاج المواد الإباحية خارج أي منطقة رمادية، في المنتج الاصطناعي يعامل قانوناً وأخلاقاً كغيره، في الجرم والعقوبة والمسؤولية.

 

تزييف عميق

 

الطابع الإباحي للتزييف

من الناحية الأخلاقية يجب أن يكون هناك فرق واضح بين نوعين من المحتوى، إيروتيكا متخيلة بالكامل لا تشبه أشخاصاً حقيقيين، ومقاطع التزييف العميق غير التوافقي، والذي يركب وجوهاً أو أصواتاً لأشخاص حقيقيين من دون إذنهم. وهذا النوع يعتبر اعتداء وتشويهاً للسمعة واختراقاً للخصوصية، تماماً كما حصل مع المغنية الأميركية تايلور سويفت عندما نُشرت مقاطع فيديو وصوراً إباحية لها مولدة بالذكاء الاصطناعي، وتتعامل مع هذا النوع قوانين كثيرة  حيث يعتبر جريمة.

وتشير تقديرات حديثة إلى أن معظم الـDeepfake المتداول اليوم ذو طابع إباحي وغير توافقي، ويستهدف النساء على نحوٍ أكبر من غيرهن، وهو ما يضيف بعداً جندرياً واضحاً للنقاش الحقوقي.

ومن الناحية الدينية، لا يوجد في المكتبة الفقهية الراهنة تفصيل واسع لمصطلحات "الإباحية المُصطنعة" والتزييف العميق الجنسي، لكن الأصول الحاكمة تحرم مشاهدة الإباحية أياً كان وسيطها، وتحرم الانتحال والتدليس والعدوان على السمعة والخصوصية، ولهذا قرّرت على سبيل المثال  "دار الإفتاء المصرية" تحريم الديب فيك لما فيه من كذب وإيقاعٍ للضرر، كما قررت أصلاً تحريم مشاهدة المواد الإباحية، وتشمل الرسوم والصور المولدة التي تكشف العورات وتثير الشهوة.

وعليه، فالإباحية المصنوعة بالذكاء الاصطناعي تبقى داخل دائرة المنع، ويتضاعف الإثم في المحتوى غير التوافقي، وتشتد الحرمة حتى حد التجريم في كل ما يمس القصر، وهو اتجاه يلاقي اليوم موجة قانونية دولية تضيق على الديب فيك الذي ينتهك الخصوصية وتجرم صوره وأدواته.

 

تجريم التزييف

ويبدو أنّ المشهد سيسير لسنوات في مسارات متعددة، فالمملكة المتحدة تتجه لتجريم بعض النماذج والأدوات وتعزيز أوامر المنع. وفي الولايات المتحدة تتكاثر قوانين تجرم التزييف العميق غير التوافقي على مستوى الولايات، مع استمرار فجوة على المستوى الفدرالي. وفي فرنسا صدر عام 2024 تجريم صريح لـ"الديب فيك" الجنسي غير التوافقي، كما تتجه ولايات أميركية إلى اشتراط موافقات واضحة وآليات أدق للتحقق من العمر في مواقع البالغين. 

وضمن هذا السجال يمكن تثبيت حقيقة بسيطة أن المواقع الإباحية تقع وبشكل منتظم بين الأكثر زيارة عالمياً، ما يعني أن الصناعة قائمة وستبقى وإن تبدلت أدواتها وقواعدها، فبحسب "Semrush" حل موقع المواد الإباحية الأكثر شهرة "Pornhub" في المرتبة الثامنة عالمياً ضمن أكثر المواقع زيارة في شهر سبتمبر/أغسطس 2025، فيما مواقع أخرى ضمن الخمسين الأوائل عالمياً في الشهر نفسه 2025، وعلى مستوى السلوك تظهر بيانات "Ofcom" أنّ نحو 29% من البالغين في المملكة المتحدة استخدموا خدمات محتوى إباحي في أيار/مايو 2024، وكان "Pornhub" الأكثر شعبية بينهم في مايو 2023، أي أنّ الاستهلاك واسع رغم التابوهات.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث