عاد آلاف المصلين الجمعة إلى المساجد في قطاع غزة، حيث رفعت مكبرات الصوت لأول مرة منذ أشهر، الأذانَ في المساجد القليلة التي ظلت سليمة، أو لم تدمر كلياً جراء الحرب.
وتردد أذان الصلاة في المساجد في الوقت نفسه تقريباً، بعد أسبوع من وقف إطلاق النار في القطاع الفلسطيني المدمر. وفي مسجد "السيد هاشم" في مدينة غزة، قال غالب النمرة إن التجمع من أجل الصلاة مجدداً "شعور لا يوصف بعد عامين من الحرمان"، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس".
ومسجد "السيد هاشم" هو أحد أقدم المساجد في أكبر مدينة في غزة، ونجا من التدمير الذي يحيط به بعد عامين من الغارات الجوية والقتال. وفي الوقت الذي شاهد مئات المصلين، تأثر نمرة عندما رأى "هذا الجمع الكبير في هذا المسجد وذلك للمرة الأولى"، منذ بدء الحرب إثر هجوم حركة "حماس" غير المسبوق على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وعندما انطلق صوت الأذان قبيل الساعة التاسعة والنصف بتوقيت غرينتش، تجمع كثيرون عبر البوابة التي تعود إلى الحقبة العثمانية. وصلى رجال من مختلف الأعمار معاً في المسجد الذي بدا منبره سليماً، لكن وجوه المصلين في أغلبها واجمة، علماً أنه من بين 1244 مسجداً في قطاع غزة، تعرض نحو 1160 للتدمير على نحوٍ كامل أو جزئي، وفق تقديرات مكتب الإعلام الحكومي التابع لحركة "حماس".
وكان الهدوء يسود الجمعة مدينة غزة، لكن العديد من السكان قالوا إنهم يعيشون حالة من "الضياع الروحي الكبير". وقال أبو محمود صالحة، وهو من سكان شمال غزة، ونازح في منطقة مواصي خان يونس في الجنوب: "أشعر أن روحي تتيه وسط هذا الدمار". وأضاف: "الآن نصلي داخل الخيمة، أشتاق لصلاة الجماعة وصوت الإمام".
وتابع الرجل البالغ 52 عاماً: "الآن حين أسمع الأذان من التسجيلات عبر مكبرات الصوت، أشعر أن شيئاً كبيراً انكسر في داخلنا". وتعرضت المساجد في حي الفالوجا الذي كان يقطن فيه، للتدمير. وصار مثل كثيرين يصلي في الشارع منذ فترة طويلة.
واليوم، واصل معظم المصلين كعادتهم منذ أشهر فرش سجادات صلاتهم في الشوارع، أو بين الأنقاض، أو في المساجد التي انهارت جدرانها. وصلى آخرون على أطراف الخيام المنتشرة في القطاع لإيواء النازحين، في ظروف إنسانية محفوفة بالمخاطر.
وقال معتز أبو شربي الذي نزح من حي الشجاعية في الشمال إلى دير البلح وسط القطاع: "نحاول كل جمعة أن نجتمع في مساحة أرض صغيرة خالية لأداء الصلاة، أحياناً نصلي على الرمال أو على قطع كرتون. الأمر صعب نفسياً". وأضاف الشاب البالغ 27 عاماً: "المسجد كان ركيزة الحياة في أحيائنا ومن طقوسنا الدينية المحببة، والآن نصلي منفردين أو مع مجموعة صغيرة في أماكن متفرقة". وتابع: "أصعب شيء أن تفقد منزلك ومكانك الآمن، المكان الروحاني. كنا نجد في المسجد ملاذاً من الهموم".
وتذكر أبو محمد الحطاب (54 عاماً) من مخيم الشاطئ في شمال قطاع غزة، أنَّ "المسجد الذي يقرب منزلي في الحي الذي أسكنه كان ملاذنا، ليس فقط للصلاة؛ بل للطمأنينة وللذكر. حين دُمر، شعرت كأن قطعة من قلبي انهارت".
وتجمع مئات المصلين أيضاً في مسجد مدمر في خان يونس، وألقى الإمام خطبة الجمعة عبر مايكروفون أمام المصلين، في الوقت الذي أحاطت بهم جدران متداعية وأسقف منهارة. وقال سليم الفرا (22 عاماً) وهو من خان يونس: "كنا قبل الحرب نصلي في مساجد، اليوم لا منبر ولا سجادة ولا جدران"، مضيفاً: "نتمنى إعادة إعمار كل شيء في غزة، بما فيها المساجد".
