بعد العناق: مَن يبقى ومَن يرحل؟

نسرين النقوزيالأحد 2025/10/12
الفنانة اللبنانية آني كوركدجيان
الفنانة اللبنانية آني كوركدجيان
حجم الخط
مشاركة عبر

بعد العلاقة الحميمة، تشعر نساء كثيرات أن المسافة اختفت فجأة، حتى لو كانت العلاقة في بدايتها. كأن شيئًا انكسر بينهما، وكأن الجسد لم يكتفِ بالمتعة، بل صاغ رابطًا يصعب الفكاك منه. أما الرجال، فالأمر يبدو لهم مختلفاً: قد يظهر الاهتمام للحظة، ثم يخفت سريعًا، كما لو أن الشرارة أُطفئت قبل أن تلتقط أنفاسها. هل هو واقع فعلاً كما تراه غالبية النساء؟

 

السر في هرمون صغير يسمونه "هرمون العناق". الأوكسيتوسين. يتدفق في العروق أثناء المداعبة والنشوة، ويحوّل الجسد إلى بيت من الألفة والثقة. يقال إن النساء أكثر حساسية له، انخفاضه المفاجئ قد يترك داخلهن فراغًا يُترجم إلى تعلّق أو احتياج. الرجال أيضًا يفرزونه، لكنهم في كثير من الأحيان يتعلمون كيف يفصلون بين اللذة والارتباط، كأن أجسادهم اعتادت منذ زمن بعيد على عَيش اللحظة بلا وعود.

 

علم التطور يحكي قصة أعمق: جسد المرأة ارتبط جنسياً، عبر التاريخ، بالحَمل والرعاية والمسؤولية. كان لا بد للفعل أن يقترن بالالتزام. أما الرجل، فبقي حرًّا من هذا العبء، يرى الجنس حدثًا قائمًا بذاته. ومن هنا، ولدت تلك المفارقة التي ما زال تُعاش حتى اليوم.

 

لكن البيولوجيا ليست وحدها التي تهمس في آذاننا. المجتمع بدوره يكتب نصوصه: البنات يُربَّين على أن الجنس امتداد للحب، أن الجسد لا يُفهم إلا في ظلّ العاطفة. أما الصبيان، فيُلقَّنون أن الرجولة قوة، وأن العاطفة ضعف، وأن الجنس وحده يكفي. لهذا، قد تنتظر المرأة بعد اللحظة-القمة، كلمة صغيرة، لمسة تثبت أن ما جرى لم يكن عابرًا، بينما الرجل قد يكتفي بالنوم.

 

النفس أيضًا تدخل في الحكاية. ثمة نساء يخرجن من العلاقة بطمأنينة عميقة، ومنهن مَن تعاني ما يسمّى "حزن ما بعد الجنس"، ذلك الفراغ الغريب الذي يزورهن بعد لحظة يفترض أنها سعيدة. الرجال يعرفون هذا الشعور أيضًا، لكن بنسبة أقل بكثير. دراسة حديثة تقول إن أكثر من 90% من الناس، رجالًا ونساء، مرّوا بأعراض ما بعد الجنس يومًا ما. النساء وصفنها بحزن وتقلبات مزاجية وإحساس بالفراغ، بينما عبّر الرجال عنها بفتور الطاقة أو بإحباط سريع.

 

ومع ذلك، تظل الحقيقة أن الاختلافات بين الأشخاص أنفسهم أكبر من تلك بين الجنسين. هناك رجال يتعلّقون بشدة بعد الجنس، ونساء يخرجن كما دخلن: بلا أثر عاطفي يُذكر. كل شيء يعتمد على تاريخ الشخص، على جروحه القديمة، على شعوره بالأمان أو خوفه من الفقد.

 

هل نستطيع إذن الجزم أن التعلّق بعد الجنس ليس ضعفًا أنثويًا ولا برودًا ذكوريًا؟ نعم، أو ربما... هو نتيجة كيمياء لا نتحكم فيها بالكامل، وتاريخ طويل من الأدوار التي ورثناها من دون أن نختارها، وتجارب شخصية تجعل كل شخص يترجم اللحظة على طريقته. التعلّق بعد الجنس لوحة مرسومة بأيدي الهرمونات والذاكرة والمجتمع، لا بيَد امرأة "ضعيفة" أو رجل "قاسٍ".

 

لكن المضحك – أو المؤلم – أن النقاشات حوله ما زالت تُختزل في جُمل جاهزة: "النساء يتعلّقن بسرعة"، "الرجال لا يفكرون إلا في الجنس". كأننا في مسرحية قديمة لا يملّ الممثلون فيها من ترداد الأدوار نفسها. والحقيقة؟ هناك نساء يخرجن من السرير بعاديةٍ لا شحن فيها، ورجال يكتبون رسائل حب طويلة بعد لحظة عابرة. ربما المشكلة ليست في النساء ولا في الرجال، بل في توقعاتنا نحن، تلك التي نكررها كالنكتة حتى صارت تُصدَّق أكثر مما تُفكَّك.

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث