لم يكن التجمع الكشفي الذي نظمته "كشافة المهدي" التابعة لـ"حزب الله"، في مدينة كميل شمعون الرياضية في بيروت، تحت عنوان "أجيال السيد"، مجرد احتفال تربوي، بل استعراض للقوة البشرية، يحمل رسائل سياسية واجتماعية واضحة، وليس أقلها عرض المقدرات البشرية للحزب، التي لا تتوقف عند مناصرين أعداد الناخبين، بل تتجاوزها الى استعراض الأجيال.
ويعد هذا الحدث الذي جَمَع أكثر من 74 ألف فتى وفتاة ضمن التشكيلات والفرق الكشفية، ثاني أكبر استعراض للقوة البشرية ينظّمه "حزب الله" خلال عام واحد، بعد التشييع الشعبي الواسع للأمينين العامين السابقين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في شباط/فبراير الماضي. ويأتي هذا الحشد بعد الحرب وانتكاساتها العسكرية، وفي ظل ضغوط دولية على الحزب والدولية اللبنانية لتسليم سلاحه، وضغوط محلية من قبل خصومه، أثاروا في وقت سابق مسألة تمثيله السياسي، كما أثاروا فعالية إضاءة صخرة الروشة.
وحاول الحزب في هذا الحشد الأخير، الإثبات الحزب ما زال يمتلك قدرة تنظيمية وجماهيرية قوية، تعكس متانة بنيته الاجتماعية والسياسية رغم التحديات المحيطة به. وحاول الدفع برسالة مفادها بأن شرعيته يأخذها من قوته الشعبية، ومن الأجيال التي تتعاقب تحت مسيرته، وعازمة على الاستمرار على الأقل، لجيلين مقبلين. ويُستدل الى ذلك بتغريدات ومنشورات مناصرين الذين سألوا في مواقع التواصل: "هل هذا الحشد يدل على ما يُقال إن حزب الله انتهى؟"
قوة الناس قبل السلاح
ورغم أن المناسبة بدت احتفالًا بذكرى تأسيس الجمعية، إلا أنها حملت رسائل سياسية واجتماعية متعددة، تؤكد أن حزب الله يسعى إلى تكريس صورته كقوة اجتماعية قادرة على الحشد والتعبئة، لا كتنظيم عسكري فحسب.
تتعزز هذه السردية، بكلمة أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي أشار إلى أن "المقاومة، بما عبّر عنه، هي خيار تربوي وأخلاقي وثقافي وجهادي وسياسي"، في إشارةٍ إلى كونها نهجاً متكاملاً يتجاوز الطابع العسكري. ورأى أن "الجيل الجديد هو من يحمل الراية ويواصل الطريق".
ويُظهر الخطاب تركيز الحزب على فكرة "الأجيال" بوصفها الضمانة لاستمرارية مشروعه، حيث تُقدَّم التجربة كمسار تربوي وثقافي يُنقل عبر الأجيال، لا كفعل محدود بزمانه وظروفه.
لحظة فارقة
كما يأتي عرض "أجيال السيد" في لحظة سياسية واقتصادية معقدة تمرّ بها بيئة الحزب، وفي ظل غياب زعيمه الأبرز. لذلك، يحمل التجمع رسالة أخرى مفادها أنه نجح في إظهار تماسكه وقدرته على التعبئة والتنظيم، مما يوجّه رسالة داخلية وخارجية بأن حضوره الشعبي لم يتراجع، وأنه ما زال يمتلك أدوات الفعل والتأثير.
تثبيت الدور بالديموغرافيا
منذ نشأته، راهن الحزب على المجتمع قبل الميدان. واليوم، يعيد تأكيد هذا النهج من خلال تحويل جمهوره العقائدي إلى مصدر قوة سياسية واجتماعية، قادرة على الاستمرار في أي ظرف. فـ "القتال بالديموغرافيا" بات يعكس فكرة الحزب عن ضرورات الاستمرار، حيث يصبح الحشد المنظّم والمجتمع المنضبط جزءًا من استراتيجيته الدفاعية والسياسية، وتحديداً في المعارك الداخلية، وفي مواجهة الضغوط الدولية، على قاعدة أن التهميش للحزب، هو تهميش لعشرات الآلاف، وأن الحزب ذاب في هذا المتمع، وتكامل معه.
والفكرة الأخيرة، يستحيل أن تحظى برضى الطائفة الشيعية التي يواجه معارضو الحزب فيها، فكرة "الذوبان"، ويصرون على المسافة الضرورية عن الحزب كتشكيل عسكري أو حزب سياسي، وهي مسافة واقعية أيضاً، باعتراف الحزب نفسه عندما تستهدف إسرائيل المدنيين وممتلكات السكان في الجنوب والضاحية والبقاع وغيرها.. هذه المسافة، تثبتها نتائج الانتخابات النيابية التي تفيد بأن المقترعين للحزب، لا يتخطون الـ35%، فيما تحظى "حركة أمل" بنسبة قريبة، ويتقاسم النسبة الاخيرة معارضو "الثنائي" والمحايدون والنخب الشيعية.
