إعلامي سوري يبرر جرائم خطف النساء: ملابسهن تنشقّ عن أجسادهن!

مصطفى الدباسالخميس 2025/10/09
مقدم برنامج في قناة "انا سوريا" زين خضور (سوشيال ميديا)
زين خضور، مقدم البرنامج في قناة "انا سوريا" التي تبث من "استديو فيزيون" في بيروت
حجم الخط
مشاركة عبر

أثار مقطع فيديو للمذيع زين خضور، مقدم برنامج "اليوم أحلى" في قناة "أنا سوريا"، موجة غضب عارمة في وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما علّق على حوادث خطف فتيات في اللاذقية وطرطوس وحمص بلغة ذكورية فجة تتجاوز الوصاية التقليدية على الجسد لتدخل مباشرة في قلب تبرير الجريمة. 

 


وفي لوم مباشر للضحية وتبرير للمجرم، قال خضور إن الفتيات اللواتي خطفن "ينشرن صوراً شبه عارية في المجموعات"، و"يظهرن بملابس تشقّ الجسد"، ثم يضيف: "لا تستغربي إذا إجوا الخاطفين عملولك فولو" في وسائل التواصل، قبل أن ينهي خطبته بلوم الأب والأخ  والمجتمع و"التساهل الأخلاقي"، وكأن الخطف ليس جريمة يعاقب عليها القانون، بل نتيجة اجتماعية وأخلاقية لانحراف معين الضحية هي المسؤولة عنه، وكأن من خطفت نالت ما تستحقه، وكأن خطفها لا يستحق الإنكار!

 

 

وبدت ردود الأفعال في وسائل التواصل على هذا المقطع  أشبه بانفجار جماعي غاضب عبّرت عنه مئات المنشورات والتعليقات والقصص في فايسبوك وإنستغرام، تسأله عن الطفل محمد قيس حيدر الذي خطف في حمص، ماذا كان يرتدي؟ وعن روان المحجبة التي تعرضت للاغتصاب، هل كانت تضع "أحمر شفاه"؟ وعن عشرات الفتيات المحجبات اللواتي خطفن من المدارس والشوارع، من سيتبرّع بتفسير خطفهن؟ 

وعن حادثة اللاذقية الشهيرة التي خطف فيها رجل زوجته من داخل منزلها أمام طفلها وزوجها المقعد، لماذا لم تُثر انتباهه؟ ولماذا لم يسأل عن هوية الخاطفين، ولا عن غياب التحقيق ولا عن المبالغ التي دفعت كفدية كما  لفكّ أسر النساء، ولا عن سكوت الأهل تحت التهديد؟ بل اختار أن يقف في مواجهة الفتاة، الضحية، لا الجريمة، وأن يحرّض على الضحية لا أن يسأل عن غياب العدالة، وأن يقرأ جسد المخطوفة لا ملامح الفاعل.

 

 

وهنا بالضبط تتقاطع ردود الأفعال مع مركز الخطورة في المقطع، فهو لا يعبّر عن رأي محافظ بقدر ما يقدم سردية جاهزة للمجتمع كي يغضّ الطرف عن المجرمين ويحول طاقة اللوم والغضب إلى الفتاة التي نشرت صورة في "إنستغرام"، أو "تجرأت أن ترتدي كنزة"، أو أن تظهر "فمها شبرين"، كما قال، ليصبح الخاطف "متابِعاً" لا ملامة عليه في الجُرم أو حتى الغريزة المنفلتة (الطائفية أو الجنسية)، والجريمة "تفاعلاً"، والحقيقة مشوهة بالكامل لا تقترب من مَطالب التحقيق والمحاسبة وعقاب المجرمين أياً كانوا.. وهو ما لم يحصل حتى الآن.

 

 

وإذا كانت هذه اللغة في حد ذاتها كافية للقول إننا أمام خطاب عنيف وعدائي ضد النساء، فإن الأخطر أن هذا الخطاب ينتج من داخل قناة تلفزيونية تبث من بيروت، تحت اسم "أنا سوريا" تصور في "استديو فيزيون" (مقرها في قناة "أم تي في")، ضمن مشروع إعلامي ممول من الخارج، ويضم في طاقمه وجوهاً إعلامية معروفة ارتبطت في وقت سابق بمؤسسات النظام السوري المخلوع، أو وسائل الإعلام المموّلة من طهران، مثل ورد صباغ، وزين خضور نفسه، وحيدر مصطفى، ما يجعل من القناة شكلاً هجيناً من الإعلام الذي يبدو جديداً بعد سقوط الأسد، لكنه محشو بخطابات سلطوية وذكورية سامة مُعاد تدويرها، وتعيد إنتاج منطق التبرير الأخلاقي من دون مساءلة الفعل وتبني سردية سياسية واجتماعية لا تميّز بين فتاة حرة ومجرم مسلح، وهو لا يقل خطراً عن الخطاب الذي يقرن ويبرر حالات اغتصاب الفتيات وفقاً للباس الفتاة دون المجرم نفسه. 

 

 

وفي ظل غياب أي تعليق أو بيان أو اعتذار من القناة، ومع إصرار خضور على نشر المقطع عبر حسابه الشخصي من دون سحبه أو التنصل منه، فإن السكوت هنا لا يمكن قراءته إلا كقبول ضمني، أو كجزء من هوية تحريرية لا ترى بأساً في لوم الضحية أو تحميلها الذنب أو شرعنة سلوك الجناة عبر جُمل مموهة ومقاطع وعظية تحول المساءلة الأخلاقية إلى أداة عنف رمزي.

 

 

ولا يعتبر ما قاله خضور رأياً شخصياً، بل  خطاباً تحريضياً مباشراً يجرّم الضحية ويبرّئ الجاني  ويعيدنا إلى أبشع ما رسّخته المنظومات السلطوية من سرديات تستخدم لتشويه صورة النساء وتكميم أفواه الضحايا.

والمؤسف أن هذا يحدث من داخل مشروع إعلامي يدّعي "الاستقلالية" و"الجرأة" و"التوجه إلى كل السوريين"، بينما يضمّ وجوهاً لم تكن يوماً خارج أدوات نظام الأسد، ولا خارج البنية الثقافية التي تشرعن السيطرة على أجساد النساء وتعيد تعريف الفعل الإجرامي كـ"رد فعل طبيعي"، وتحض المجتمع على أن يغضب من الصور لا من الخطف.

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث