فضائح تحقيقات "التيكتوكرز": أسئلة جنسية وضرب وتعذيب

فاطمة البسامالأربعاء 2025/10/08
GettyImages-1198161430.jpg
صورة تعبيرية تجسد العنف ضد القاصرين (غيتي)
حجم الخط
مشاركة عبر

"اليوم عرس ابن عمي، بس جيت عشان أخلّص من القضية"، قالها المحقق وهو يوجّه سبحة بيضاء نحو أحد القاصرين داخل غرفة التحقيق. عبارة تكشف حجم الاستهتار الذي رافق واحدة من أكثر القضايا حساسية في لبنان، المعروفة إعلامياً بـ"قضية التيكتوكرز".

هذا ما ظهر في مقطع فيديو مسرب من إحدى جلسات التحقيق، وهو خرقٌ جديد يُضاف إلى سلسلة الخروق التي طبعت هذه القضية منذ انكشافها قبل نحو عام، على الرغم من خصوصيتها الشديدة؛ إذ تضمّنت قاصرين بين الضحايا والمتهمين. 

ونُشر الفيديو عبر القناة الخاصة للصحافي فراس حاطوم، مدته 11 دقيقة و37 ثانية، يُظهر وجوه المتهمين القاصرين (م.ه) و(س.أ)، في انتهاكٍ واضح لقانون حماية الأحداث.

 

 

تغطية وجوه القاصرين

السؤال الذي أثار الجدل: لماذا لم يُغطِّ حاطوم وجهَي القاصرَين؟ وكيف وصل إليه فيديو يحتوي على هذا الكم من التجاوزات بحق القاصرين، وبحق متهم آخر يُدعى "آبو"؟

يقول حاطوم لـِ"المدن": "ترددت كثيراً قبل نشر الفيديو المجتزأ، إلا أنني أردت أن أكشف آثار الضرب التي تعرض لها القاصران، والتي كانت واضحة على وجهيهما. كما أردت إظهار حالتهما النفسية، وكيفية تعامل المحقق معهما. حصلت على إذن من ذوي القاصرين قبل النشر، بالرغم من أنني أدرك أن ذلك يُعد انتهاكاً، لكنني لم أقم بسابقة، فالإعلام سبق أن نشر وجهيهما وعرّضهما للتشهير".

ويتابع: "الفيديو بحد ذاته هو التجاوز الحقيقي؛ إذ يُظهر أسلوب المحقق في التعامل مع القضية كأنه يُركّب (Puzzle) من دون مواجهة المتهمين بالحقائق". ويضيف أن القضية لم تعد سرّية بعد أن انتقلت إلى محكمة الجنايات، وهذا ما يتيح، برأيه، اطلاع الرأي العام على تفاصيلها. أمّا كيف حصل حاطوم على الفيديو، يجيب: "فيديو وصلني، وأكيد رح أنشره كصحافي".

 

مضمون التحقيق

لكن الانتهاك الأكبر لا يتوقف عند نشر الفيديو؛ بل في مضمون التحقيق نفسه. إذ يُسمع المحقق وهو يخاطب أحد القاصرين بلهجة استجواب مليئة بالإيحاءات والإهانات قائلاً: "هل أنت لوطي؟"، قبل أن يتنقل بين أسلوب الترهيب والترغيب، فيقول لهما تارةً "إنتو متل أولادي"، ويهددهما تارةً أخرى بأنه "يعرف كل شيء"، ثم يوجّه كلامه إلى أحدهما قائلاً: "يمكن بيّك اعتدى عليك، عشان هيك صرت لوطي"، في محاولة واضحة لاستدراج اعترافات مشوبة بالإكراه النفسي.

وفي مشهد آخر، يُشاهد المحقق وهو يناول القاصر "س.أ" سيجارة محاولاً طمأنته، قبل أن ينهار الأخير باكياً، في مشهد يلخّص حجم الضغط النفسي والعنف المعنوي الذي تعرض له خلال التحقيق.

 

غياب مندوب الأحداث؟

إزاء ذلك، يبرز السؤال: أين مندوب الأحداث من كل ما حصل؟ ففي حال غيابه، يصبح التحقيق باطلاً وفق القانون. أما في حال حضوره وكان شاهداً على هذه الانتهاكات، فالمصيبة أكبر.

ويقول المحامي في اتحاد حماية الأحداث، قاسم كريم، لـِ"المدن"، أن القانون لا يجيز أخذ إفادة أيّ قاصر من دون حضور مندوب/ة الأحداث، موضحًا أن لدى مندوبي الأحداث فترة استراحة يومية تمتد من الساعة الثانية بعد الظهر حتى السادسة مساءً، وربما جرى تصوير الفيديو خلال هذه الفترة، من دون إعلام المندوبة، وفق قوله. وأضاف كريم أنه في حال كانت مندوبة الأحداث حاضرة، فلا يمكن أن تحصل تجاوزات من هذا النوع، مشددًا على أن حضورها يشكل ضمانة أساسية لحماية القاصر.

وعن آثار الكدمات والضرب الظاهرة على وجوه القاصرين، أوضح أن المندوبة سجّلت إفادتيهما، ولم يذكرا خلال التحقيق أنهما تعرّضا للضرب، بالرغم من أن الأثر كان واضحًا، مؤكدًا أن أيّ تجاوز قد يكون حصل في غياب المندوبة، "فهو برسم النيابة العامة"، على حد تعبيره. وبخصوص سير الملف والتجاوزات التي أُثيرت حوله، قال كريم إن قاضي الأحداث هو صاحب القرار النهائي في هذا الشأن.

 

وكيلة القاصرين

وتقول المحامية مريانا برو، وكيلة القاصرين، لـِ"المدن": "منذ بداية هذا الملف، أطلقت عليه اسم "ملف الفضيحة لتيكتوكرز"، لما يتضمنه من انتهاكات قانونية وأخلاقية وإنسانية فاضحة". وتضيف: "ما حدث ليس إجراءً قضائيًا طبيعيًا؛ بل أقرب إلى سيناريو مفبرك أعدّته مجموعة حولت الملف من قضية ادعاء إلى مسرحية يتحول فيها الضحايا إلى متهمين".

وتضيف: "القاصرون الذين أمثّلهم تعرضوا لتعذيب موثق، تظهر آثاره بوضوح في وجوههم وأجسادهم، في وقت كان يُمنع فيه المحامون من حضور التحقيق لـ47 يومًا، في حين كانت مندوبة الأحداث، جوسلين فرحات، تدخل على نحوٍ يومي". وتتابع: "أثبتت الوقائع أن التحقيقات صُوّرت بغياب أيّ ضمانات قانونية، من دون حضور محامٍ أو إشراف حقيقي من مندوبة الأحداث. وإن كانت فرحات حاضرة، فالمصيبة أعظم، لأن ذلك يثبت شراكة مباشرة في انتهاك حقوق القاصرين". 

 

من ملف أخلاقي الى فضيحة

القضية التي بدأت بصفتها ملفاً أخلاقياً تحوّلت إلى فضيحة، بغياب أيّة معايير مهنية أو إنسانية في التعامل معهم. وبين التبرير والنفي، يبقى الفيديو المسرّب شاهداً على واقعٍ قاسٍ، حيث تُنتهك براءة القاصرين مرتين: مرة بما هم ضحايا، ومرة بما هم متهمين أمام عدسة التحقيق.

وتتهم برو رئيسة حماية الأحداث، السيدة أميرة سكر، بأنها "خرقت سرية التحقيق وصرّحت للإعلام قبل صدور أيّ حكم، وساهمت في تضليل الرأي العام". وأضافت: "في الجلسة الأخيرة أمام محكمة الجنايات، وبعد حرماننا سابقًا من تقديم أيّة طلبات أمام قاضي التحقيق، تمكنا من تقديم طلبات إخلاء سبيل، مدعّمة بسجلات عدلية نظيفة لموكلينا. لكن اللافت أن المدّعين، الذين يُفترض أنهم ضحايا، لم يحضر أحد منهم، وبعضهم فارّ من العدالة أو متورط في قضايا أخرى، مما يطرح علامات استفهام كبيرة حول صحة الادعاءات".

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث