لجأ النازح الفلسطيني إبراهيم أبو جبل في قطاع غزة الذي دمرته الحرب، إلى الأرض، ليتمكن هو وأطفاله التسعة من البقاء على قيد الحياة في ظل شُح المواد الغذائية. ووسط خيام النازحين بما فيها خيمته التي نصبها في مدينة غزة، استصلح أبو جبل قطعة أرض صغيرة لا تزيد مساحتها على 120 متراً مربعاً ليزرعها بالخضر مثل الطماطم والخيار والبصل والفلفل الحار.
وقال أبو جبل بعدما انتهى من تقليب التراب في أرضه: "هذا قوتنا اليومي، من خضراواتنا. الجسم يحتاج إلى حبة طماطم، حبة خيار"، مضيفاً: "المنتجات غالية وغير متوافرة، وإن توافرت لا يوجد نقود لنشتريها"، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".
لكن حتى هذه الكميات البسيطة من الخضر تحتاج إلى جهد من أبو جبل الذي دفعته الحرب للعودة إلى مهنته الأصلية كمزارع. وقال بعد انتهائه من تقطيع خضراوات لابنته، أنه عاد للزراعة حتى "أعيش أنا وأطفالي ليوم آخر".
وأوضح أبو جبل: "البذور غالية، نقوم بتجفيف حبة الطماطم، نأخذ البذور ونعيد زراعتها في علب حمص أو علب فول، قبل نقلها إلى الأرض". كذلك، فإن مواد الرش والأسمدة والكيماويات باهظة الثمن، كما يواجه نقصاً في إمدادات المياه.
ويحصل أبو جبل (39 عاماً) على المياه من صنبور ماء قريب، تصله المياه ساعة في اليوم و"أحياناً لا تأتي". وقال: "أعبئ غالونات المياه، أحتاج إلى ما لا يقل عن 40-50 لتراً للأرض، و30-40 لتراً للمنزل". وأحيانا يضطر لري مزروعاته بإعادة تدوير ما استخدمه وعائلته من مياه سواء لغسل الأطباق أو الملابس.
وتتصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل لفتح معابر غزة أمام مزيد من المساعدات الغذائية بعدما حذرت الأمم المتحدة ووكالات إنسانية من أن أكثر من مليوني فلسطيني يواجهون خطر المجاعة. وكانت إسرائيل فرضت في 2 آذار/مارس الماضي حصاراً مطبقاً على قطاع غزة، ومنعت دخول أي مساعدات أو سلع تجارية، ما تسبب بأزمة إنسانية.
وسمحت إسرائيل قبل أسبوع بدخول شاحنات يقل عددها كثيراً عن الاحتياجات اليومية المقدرة بنحو 600 شاحنة. كما استأنف الأردن تنظيم عمليات إلقاء رزم المساعدات من الجو بمشاركة عدة دول.
إلى ذلك، قالت "منظمة الأغذية والزراعة" التابعة للأمم المتحدة أن 1,5% من الأراضي الزراعية في غزة غير مدمرة ومازال يمكن الوصول إليها، استناداً إلى مسوحات بيانات الأقمار الصناعية الأخيرة، فيما كان قطاع الزراعة قبل الحرب يمثل نحو 10% من اقتصاد قطاع غزة. وقدرت المنظمة أن أكثر من 560 ألف شخص، أي ربع السكان، كانوا يحصلون على دعم جزئي على الأقل من الزراعة وصيد الأسماك.
وقال المدير العام للمنظمة شو دونيو في بيان: "الناس يموتون جوعاً ليس لأن الطعام غير متوافر، بل لأن الوصول إليه محظور، وأنظمة الغذاء المحلية انهارت، ولم يعد بإمكان الأسر حتى الحفاظ على سبل عيشها الأساسية".
وفي ظل شُح المساعدات التي تدخل، يضطر سكان القطاع إلى اللحاق بالشاحنات التي تحملها في مشاهد تطغى عليها الفوضى. وأواخر أيار/مايو الماضي، عادت إسرائيل وسمحت بدخول كميات محدودة من الطعام تولت توزيعها "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تمولها إسرائيل وواشنطن وترفض وكالات الأمم المتحدة التعامل معها.
وشهدت مراكز التوزيع التابعة للمؤسسة الأميركية مقتل أكثر من ألف من منتظري المساعدات بحسب الأمم المتحدة، فيما تقول وزارة الصحة التابعة لحركة "حماس" الإسلامية أن العدد وصل إلى 1706 قتلى.
وشعر أبو جبل بصعوبة البحث عن طعام وما يسببه من معاناة بعدما أصيبت ابنته (9 سنوات) في رأسها، قرب نقطة خيرية لتوزيع الطعام. وقال: "المساعدات الأميركية لا تسد جوع الناس ولا تسد جوع طفل"، قبل أن يتساءل: "من لديه تسعة أطفال مثلي، بماذا سيساعده صندوق مساعدات؟".
