أعلنت سوريا، ليل الخميس، إطلاق "هوية بصرية جديدة" تتضمن شعارات جديدة للدولة الناشئة بعد حقبة نظام الأسد الذي سقط في كانون الأول/ديسمبر الماضي بعد 54 عاماً من الحكم الديكتاتوري. ولم تغير الحكومة السورية من شعار النسر أو العقاب الذي كان معتمداً من قبل النظام السابق مثلما توقع كثيرون، بل تم تعديل الشعار ليصبح أكثر تجريدية مع دمجه بالنجوم الثلاث التي تأتي من علم الثورة السورية، وأثارت التجريدية فيه نقاشاً حول تشابهه مع شعارات دول أخرى مثل ألمانيا والنمسا وعشرات الدول التي تتخذ من النسر شعاراً لها...إضافة إلى مخلب ناقص في العقاب السوري.
وفيما كان العقاب السوري حاضراً في التماثيل والمعابد وآثار البلاد التي تعود إلى آلاف السنين، تجاهل الإعلان الرسمي عن الهوية البصرية الجديدة ذلك الماضي، وبدأ حكايته من الفتوحات الإسلامية ومعركة "ثنية العقاب" التي قادها خالد بن الوليد قبل الحديث عن تاريخ سوريا الحديث العام 1945 عندما قام "الآباء المؤسسون" بوضع شعار الجمهورية الوليدة حينها، وذلك يتواءم مع الطبيعة الإسلامية للسلطة الجديدة التي أسقطت نظام الأسد أواخر العام الماضي.
وبحسب بيان نقلته وكالة "سانا": "مثلت ثورة العام 2011 أول انخراط جمعي حقيقي للشعب السوري بالسياسة منذ خمسة عقود، دفع ثمنها ملايين الشهداء، والمهجرين، والمعتقلين، والجرحى، على مدى أربعة عشر عاماً، وتكسر القيد الذي حال بينهم وبين حريتهم وسيادة قرارهم السياسي، بوصفهم مواطنين وأصحاب أرض وتاريخ عظيم، وكان من اللازم إعادة تعريف علاقة الدولة بالشعب بطريقة جديدة". وأكملت الوكالة: "أنهى التصميم الجديد الصهر القسري بين الدولة والشعب، وأعاد ترتيب علاقتهما بما يتماشى مع ظروف الحاضر وأماني المستقبل، تحررت النجوم الثلاث التي تختصر العلم شكلاً، والشعب مضموناً، وأخذت موقعاً يعلو العقاب، الذي يختصر الدولة، بعد تحريره من صفته القتالية".
ويظهر النسر الجديد مرتاحاً بعيداً من الصفة الهجومية التي تميز بها في عهد الأسد، وبحسب "سانا": "ينسدل ذيل العقاب بخمس ريَش، تمثل كل منها إحدى المناطق الجغرافية الكبرى: الشمالية، الشرقية، الغربية، الجنوبية، والوسطى، إنها راية الوحدة السورية في أبهى صورها. أما جناحا العقاب، فليسا في هيئة الهجوم ولا الدفاع، بل في حالة اتزان". وأكملت: "يتكون كل جناح من سبع ريش، ليكون المجموع أربع عشرة ريشة تمثل محافظات سوريا مجتمعة. هذه التوزيعة الرمزية، والمتناظرة بشكل منتظم، تؤكد أهمية كل محافظة سورية ودورها في استقرار الدولة. ولهذا، بات شعار سوريا الجديد عقداً سياسياً بصرياً، يربط وحدة الأرض بوحدة القرار".
وتتركز اهتمامات الدولة الجديدة على التعليم، والصحة، وتوفير البنية التحتية، والتشريعات اللازمة لنهضة اقتصادية بالاعتماد على الطاقات الكامنة للشعب السوري، مما يرسخ مفهوم "الدولة الحارسة"، التي تحمي الشعب وتوفر له شروط النهضة والازدهار، خلافاً لـ"الدولة الأمنية"، التي كانت تتربع على عرش القمع والفساد والإجرام في عهد النظام البائد، بحسب "سانا".
وأوضحت الوكالة أن هنالك 5 رسائل يحملها الشعار الجديد هي: الاستمرارية التاريخية وتمثيل الدولة الجديدة وتحرر الشعب وتمكينه ووحدة الأراضي السورية والعقد الوطني الجديد.
وأقامت الحكومة احتفالات في ساحات المدن الكبرى شهدت عروضاً جوية عبر الطائرات المسيرة للكشف عن الهوية البصرية الجديدة، لكن اللافت أن ذلك تم بشكل معاكس للإعلان الدستوري الذي أقرته السلطة الجديدة في وقت سابق من العام الجاري، والذي نص في مادته الخامسة على أن الشعارات الجديدة للدولة الناشئة بما في ذلك العلم السوري والنشيد السوري تقر عبر قانون، ما يفترض أن يتم عبر برلمان منتخب مثلاً أو عبر آلية دستورية واضحة، وليس بإعلان رسمي مثلما حصل.
وقال الرئيس المؤقت أحمد الشرع الذي حضر الفعالية مع زوجته لطيفة الدروبي ومسؤولين آخرين في قصر الشعب بدمشق: "إنها تعبر عن سوريا التي لا تقبل التجزئة ولا التقسيم، الواحدة الموحدة، وتعكس التنوع الثقافي والعرقي". وأضاف أنها "تعبر أيضاً عن بناء الإنسان السوري، والقطيعة مع منظومة القهر والاستبداد، وتشكل بداية هوية جديدة لدولة عزيزة وحياة كريمة تنتظر السوريين".
وتابع مخاطباً السوريين: "احتفال اليوم لهو عنوان لهوية سوريا وأبنائها بمرحلتها التاريخية الجديدة، هوية تستمد سماتها من هذا الطائر الجارح، تستمد منه القوة والعزم والسرعة والإتقان والبصر الحاد والقنص الذكي والابتكار في الأداء، فهو المناور البارع، والسابح في الفضاء، المحلق في العلياء، وهو الصائد الماهر، والمنقض المحترف، والباسط جناحيه لحماية أهله وأبنائه، ولونه لون المعدن النقي الصافي الذي لا يبلى، وهكذا حال أهل سوريا عبر التاريخ، وهكذا يجب أن يكونوا في عصرهم الجديد".