منذ أسابيع، أعلنت مبادرة SpeakUp شراكة مع أحد المواقع الإباحية. وتهدف الشراكة بين المبادرة المصرية النسوية الشبابية، إلى حذف المحتوى أو الفيديوهات المسربة للنساء اللواتي يبلغن Speak up عن محتوى يظهرن فيه أو فيديو مفبرك لهن في الموقع الإباحي.
في البداية، ظننت أن الخبر مزيف أو أن حسابات المبادرة مخترقة. لكن، بعد التحقق، اتضح أن المبادرة اتخذت خطوة صادمة وجريئة. وقبل الاعتراف بأني شاهدت هذه المواقع، من المهم أن أشرح كيف وصلت إليها أصلًا. وهي تجربة شخصية لا أبرر فيها شيئاً، بل لمحاولة الفهم، لأننا لا نستطيع مواجهة العنف أو الانتهاك، إن لم نمتلك الشجاعة للنظر من منطقة رمادية، لا هي منطقة الجاني ولا الضحية.
"قروية ساذجة"
قبل سنوات، كنتُ فتاة تُطلق عليها أحياناً تسمية "قروية ساذجة". سهلة الانخداع والانجرار لأحاديث لا أفهم أبعادها. كنت غالبًا الفتاة الوحيدة في جلسات يغلب عليها طابع رجولي، و"فاكهة الجلسة" بتعليقاتهم التي تفيض بتلميحات جنسية وأنا فى وسطها لا أفهم ما يقولون. وفي إحدى الجلسات كانوا يتحدثون عن "الموقع الأزرق"، و"البرتقالي"، و"الأحمر"، يتبادلون تجاربهم في أي هذه المواقع يقدم جودة أفضل. لم أفهم المقصود، وظننتها مواقع صحافية أو منصات إعلامية تقدم خبرة فيديو!
لاحقًا، أثناء بحثي عن فيديو لتدليك قدمي المتيبسة، ظهرت لي خيارات بحث آمن وغير آمن. بدافع الفضول، اخترت الثاني، لأكتشف ما كانوا يقصدونه. لحظة "الآااااها هي دي بقى المواقع!". ترددتُ قبل الدخول: ماذا عن الأمان الرقمي؟ هل ستُفتح الكاميرا؟ هل أخاطر بفيروسات؟ لكني في النهاية دخلت، ليس لأي غرض سوى الفضول والاكتشاف. أعلم أنه سبب قد يعجز رجال كُثر عن فهمه، إذ بالنسبة إليهم، لا يمكن أن يدخل أحد هذه المواقع إلا للمساعدة فى "الترويح عن النفس".
ميا خليفة أو أم محمود
عرفت من هي ميا خليفة، وكيف أن صورتها وحدها تثير موجات من التعليقات الرجالية الساخرة. وعرفت قصة "عامل البيتزا" الذي يظهر في العديد من المقاطع الإباحية، وكأن السيناريو مكرر لا يتغير. ومن هو الرجل الذي بُني على أساسه اسكتش كامل من برنامج SNL بالعربي.
المواقع تعرض أفلامًا بجودة فنية عالية، لكن بتمثيل رديء وسيناريوهات مختزلة. وسرعان ما تدرك أن الهدف ليس رواية قصة حب، بل ممارسة جنسية صادمة ومباشرة، بحيث لتبدو الحميمية مُصطنعة، زائفة. الصادم أن بعض المقاطع يُحاكي أحداثًا واقعية قرأنا عنها في الصحف المصرية. مثلًا، شاب يستمني بجوار فتاة في ميكروباص، قضية طبيب الزقازيق، وقصة فتاة عمرها 16 عامًا اغتُصبت من عامل توصيل طعام، وقصة أكثر من مُعلم يتم التحقيق معهم أثناء كتابة هذه السطور لتحسسهم أجساد تلميذاتهم. ما شاهدته لم يكن "تمثيلًا"، بل يبدو واقعاً أعيد تمثيله، أو بالعكس: واقع تأثر بما تقدّمه هذه المواقع. الفارق أن ممثلي البورنو يعلمون أنها صنعة، الغرض منها الربح. أما ما يحدث على أرض الواقع، فيضرّ واحدة من كل ثلاث نساء يتعرضن للعنف الجنسي عالمياً ويؤثر في ما بعد في حيواتهن النفسية والجنسية وربما تقدمهن في الحياة.
عدسة نسوية لأفلام ذكورية
ولأنه "يموت الزمار وإيده تلعب" لم أجد نفسي سوى في التفحص النسوي لم أشاهد، لألحظ مع الوقت نمطاً: هناك نساء يُصوّرن وهنّ مدركات تمامًا، الكاميرا تُظهر وجوههن وأجسادهن بوضوح. في أحيان كثيرة، الديكور والنقاب أو اللباس يشير بوضوح إلى أن المشهد مصوّر في منزل عربي فقير بملاءة مزركشة ودهان حائط أزرق باهت. وهناك نساء لا يبدون على علم بوجود كاميرا، ما يلمّح إلى تصوير خفي، أو حتى انتهاك صريح. فتيات كثيرات في المجموعات النسائية التي أنا عضوة بها، يشتكين من تهديدات أزواجهن بنشر صور وفيديوهات خاصة، وأخريات لم يكتشفن أنهن تم تصويرهن إلا بعد الطلاق.
كلما شاهدتُ تلك المقاطع، فعلت ذلك بعدسة نسوية، لأراقب: هل تستمتع النساء؟ هل هناك تمهيد حميمي مبني على اللطف والاحترام والثقة؟ الحقيقة: لا. معظم المَشاهد عنيف، بلا حب، بلا احترام، وغالباً بلا رضا حقيقي. كل الممثلات يبدين بصورة نمطية: أجساد "مثالية": صدر منتفخ وبارز، شفتان غليظتان، خصر منحوت، قوام ممشوق، تخدم التخيّل الذكوري. أما الرجال، فغالبًا لا يظهرون أصلًا إلا بعضوهم الجنسي. لا اهتمام بالوجوه أو المشاعر، فقط الإيلاج، والمشهد الذي يروّج للعنف أكثر من المتعة.
هذه التجربة، بكل ما فيها من صدمة وفضول وتساؤل، كانت محاولة لفهم ما يُروَّج له تحت ستار "الترفيه". والواقع أن الكثير من هذه المواقع يُغذّي تصورات غير صحية أو صحيحة، وتُبرّر سلوكيات عنيفة تُرتكب فعلًا على أرض الواقع. وفي النهاية، ازددتُ إعجاباً بخطوة SpeakUp. جيل "زد" من النسويات، يمهد لمحو سذاجة النساء وحمايتهن من أي تهديد، حتى ولو كانت تلميحات جنسية غير مرغوب فيها.
