الأربعاء 2024/09/04

آخر تحديث: 18:26 (بيروت)

تعديلات محتملة في "الأحوال الشخصية" العراقية...والقاصرات في خطر!

الأربعاء 2024/09/04
تعديلات محتملة في "الأحوال الشخصية" العراقية...والقاصرات في خطر!
مظاهرة ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق (غيتي)
increase حجم الخط decrease
ما زالت شيماء سعدون تصارع ذكرى إجبارها على الزواج من رجل يبلغ من العمر 39 عاماً وهي في سن الـ13، إذ كانت أسرتها الفقيرة التي تعيش بالقرب من مدينة البصرة جنوبي العراق، تأمل أن يساعد مهرها من الذهب والمال في تحسين أحوالها.

وقالت شيماء، التي تطلقت من زوجها عندما كانت في الـ30 من عمرها وهي الآن في الـ44: "كان من المتوقع أن أكون زوجة وأماً وأنا لم أزل طفلة. لا ينبغي إجبار أي طفلة أو مراهقة على عيش ما عشته ومررت به"، حسبما نقلت وكالة "أسوشييتد برس".

وكان زواج شيماء غير قانوني، ورغم ذلك وافق عليه قاض كان من أقرباء الزوج. ويحدد القانون العراقي 18 عاماً كحد أدنى لسن الزواج في معظم الحالات، لكن زيجات كهذه للفتيات الصغيرات ربما تتم الموافقة عليها من قبل الدولة قريباً، حيث يدرس البرلمان العراقي تعديلات قانونية مثيرة للجدل من شأنها أن تمنح السلطات الدينية مزيداً من الصلاحيات في مسائل تتعلق بقانون الأحوال الشخصية، وهي الخطوة التي حذرت جماعات حقوق الإنسان والمعارضون من أنها قد تفتح الباب أمام زواج الفتيات في سن التاسعة.

ويأتي الضغط من أجل التعديلات بشكل أساسي من جانب الفصائل السياسية الشيعية النافذة المدعومة من الزعماء الدينيين الذين شنوا حملات متزايدة على ما يصفونه بالغرب الذي يفرض معاييره الثقافية على العراق ذي الغالبية المسلمة. 

والتعديلات القانونية المقترحة من شأنها أن تتيح للعراقيين أيضاً اللجوء إلى المحاكم الدينية للبت في قضايا قانون الأحوال الشخصية، بما فيها قضية الزواج، والتي تعد حالياً من اختصاص المحاكم المدنية فقط. وربما يسمح ذلك لرجال الدين بالحكم وفقاً لتفسيرهم للشريعة الإسلامية بدلاً من القوانين الوطنية.

ويفسر بعض الدعاة الشريعة بما يتيح زواج الفتيات في سن المراهقة المبكرة، أو في سن التاسعة بحسب المدرسة الجعفرية للشريعة الإسلامية التي يتبعها العديد من السلطات الدينية الشيعية في العراق. ولهذا تفاعلت عراقيات كثيرات مع التعديل بفزع، فنظمن احتجاجات خارج مقر مجلس النواب، ودشن حملات مناهضة التعديلات في مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت هبة الدبوني، وهي ناشطة من بين عشرات الناشطات اللواتي شاركن في احتجاج في آب/أغسطس الماضي أن "سَنذ قانون يعيد البلاد إلى ما كانت عليه قبل 1500 عام أمر مخز. سنستمر في رفضه حتى آخر نفَس. وظيفة البرلمان العراقي هي تمرير القوانين التي من شأنها رفع معايير المجتمع".

ويقول المشرعون المحافظون أن التعديلات تمنح المواطنين خيار استخدام القانون المدني أو الديني، ويجادلون بأنهم يدافعون عن الأسر في مواجهة التأثيرات العلمانية الغربية. وعلقت الباحثة المختصة بشؤون العراق في منظمة "هيومن رايتس ووتش" سارة صنبر، أن التعديلات تمنح الأولوية للزوج "لذلك، نعم، إنها تمنح الاختيار، لكنها تمنح الاختيار للرجال أولاً وقبل كل شيء".

وامتد النقاش العنيف إلى وسائل الإعلام العراقية في أحيان كثيرة، وكذلك إلى رجال الدين. حيث اعترض رجل دين سني خلال أحد البرامج الإخبارية على تزويج الفتيات في سن مبكرة، ووصف الأمر بأنه "مضر لهن"، وأضاف أن الإسلام لا يتعارض مع القوانين العراقية الحالية.

لكن رجل الدين الشيعي البارز السيد رشيد الحسيني، شدد خلال درس انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي على أن الشريعة الإسلامية تسمح للفتيات بالزواج في حال أتممن 9 سنوات. وقال: "لكن هل يحدث هذا بالفعل في الحياة العملية؟ قد يحدث هذا بنسبة صفر أو 1 بالمئة على الأكثر" حسب تعبيره.

وتحظى التعديلات المقترحة بدعم معظم النواب الشيعة في كتلة "الإطار التنسيقي" التي تتمتع بغالبية في مجلس النواب، لكن هنالك خلافات حول بنود مسودة القانون. وكان مقرراً أن يعقد البرلمان تصويتاً أولياً على المسودة يوم الثلاثاء، لكنه لم يكتمل النصاب القانوني واضطر إلى تأجيله.

ويعد قانون الأحوال الشخصية العراقي الحالي الذي صدر العام 1959، أساساً قوياً يحمي حقوق المرأة والطفل في البلاد. وحدد القانون سن الزواج عند 18 عاماً رغم سماحه للفتيات في سن 15 عاماً بالزواج في حال وافق الوالدان وأثبت فحص طبي بلوغ الفتاة وبدء دورتها الشهرية.

ويحظر القانون الزواج خارج نطاق المحاكم الرسمية في العراق، لكنه لا يطبق بشكل صارم. ويوافق قضاة في بعض الأحيان على زواج فتيات في سن أصغر سواء بسبب الفساد أو إتمام بعض الزيجات بشكل غير رسمي.

وقال النائب البرلماني رائد المالكي، الذي قدم التعديلات المقترحة، أن الدولة ستظل توفر الحماية للفتيات، وأن المناقشات تبقى جارية حول الحد الأدنى لسن الزواج. وأكمل بأن السن "سيكون قريباً للغاية من المذكور في القانون الحالي"، من دون أن يذكر مزيداً من التفاصيل.

ووصف المالكي وغيره من المؤيدين للمشروع الجديد التعديل بأنه "حرب على العلمانية الغربية". وقال المالكي أن القانون الأصلي تأثر بـ"الشيوعيين والبعثيين"، في إشارة إلى "حزب البعث العربي الاشتراكي" الذي حكم البلاد بقبضة من حديد منذ العام 1968 وحتى إطاحة نظام صدام حسين العام 2003.

وأضاف المالكي في إشارة للقانون العراقي الذي صدر في نيسان/أبريل ويجرم المثلية: "في الغرب، يأخذون الأطفال بعيداً من والديهم لأبسط الأسباب ويتهمونهم بالعنف، ثم يغيرون ثقافتهم ويخلقون منهم شواذاً جنسيين، لا يمكننا تقليد ذلك أو اعتباره مظهراً من مظاهر التحضر"، حسب تعبيره، علماً أن مصطلح الشذوذ الجنسي، هو مصطلح تحقيري يستخدم لوصف المثلية الجنسية.

واكتسب انتقاد الثقافة الغربية زخماً جديداً منذ نشوب الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحركة "حماس" الإسلامية، حيث يتعاطف معظم العراقيين مع الفلسطينيين في قطاع غزة. ووصف كثير من العراقيين تعليقات الولايات المتحدة ودول أخرى المتعلقة بحقوق الإنسان، بأنه نفاق بسبب دعم هذه الدول لحرب إسرائيل على قطاع غزة، التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

وقالت صنبر أن النساء العراقيات كن أشد من عارض التعديلات، مضيفة: "هذا الأمر يدل على أن هذه رغبة النساء العراقيات، وليس المنظمات الأجنبية التي تملي على العراق ما يجب أن يفعله".

من جهته، قال الباحث في "مركز كارنيغي للشرق الأوسط" حارث حسن، أن الأحزاب الشيعية كانت لديها أولويات مختلفة في الماضي، وركزت على الصراعات التي هزت البلاد خلال العقدين الماضيين. وأضاف: "هنالك إجماع الآن بين هذه الأحزاب بشأن القضايا الثقافية. التعديلات الجديدة ستخلق طائفية مؤسسية في العراق، وربما تضعف دور المحاكم المدنية. عندما يقولون أنه من حق الزعماء الدينيين البت في قضايا الزواج والطلاق الميراث، وإن المحكمة لا تستطيع ذلك، فهذا يخلق سلطتين متوازيتين، هذا أمر سيخلق حالة من الارتباك في البلاد".

وقالت شيماء سعدون التي تعيش الآن في مدينة إربيل بإقليم كردستان العراق، أنها تخشى على نساء وفتيات العراق. وأضافت أن "التعديلات الجديدة في قانون الأحوال الشخصية ستدمر مستقبل العديد من الفتيات بالعراق".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها